وحتى يوم أن نصر محروس علي، وأعطاه الحق في أن يرفض طلبي ويعصي أمري ... أحسست أني لا أحقد على محروس بقدر ما أحقد عليه هو، ولربما كنت مخطئا في إحساسي ومتعسفا في كراهيتي، ومع ذلك فقد وصل الحال بيني وبينه بعد ذلك بقليل إلى أن يصارحني وأصارحه بهذه العواطف، كان ذلك في صورة رأي أبداه إثر مناقشة بيننا على مسمع من زملائي، فقد قال: أنا مش عارف إنت متقنزح على إيه يا محمد أفندي؟
وأجبته أنا بنفس البساطة التي توقح علي بها: ولا أنا أيضا ... إني لا أعرف لماذا أستثقل دمك يا شاويش عبد ربه.
وكان كلانا يجهل السبب في شعوره نحو صاحبه إذ ذاك حتى جاءني ذات يوم ما يبرر كراهيتي ... ثم توالت الأنباء ... من ماسح الأحذية، ومن السجناء، ومن بعض الزملاء.
إن عبد ربه يسرق ويرتشي ويضرب السجناء الذين لا يرشونه ولا يسمحون بأن يسرقهم، والويل للسجين الذي يفتح فمه حين يجرده عبد ربه مما في جيبه، ولا سيما إذا كان سجينا جديدا، أو الذي يزوره أقرباؤه فلا يجزلون لعبد ربه العطاء ... إن زيارة السجناء ممنوعة، ولكن عبد ربه يبيحها، ويحدد لها رسما، والويل لمن يكتفي زواره بدفع الرسم وحده، وكل من في المركز يعرف ذلك، ومع هذا فما من واحد تكلم ... إن عبد ربه لا يعمل لحسابه فقط ... إنه يمثل هيئة الحكم وينوب عنها، ورذائله تمثل رذائلهم مجتمعين ...
ويقسم ماسح الأحذية على أنه رآه بعينيه يقود قرويا من أقارب أحد السجناء، وهو يحمل صفيحة سمن إلى بيت المأمور، ويقسم بأنه حمل على رأسه قفصا من الدجاج أوصله إلى منزل معاون البوليس، وكان عبد ربه هو الذي كلفه ذلك.
وعشرات القصص الأخرى، ومن خلف كل قصة تبدو يد عبد ربه، وقد حلقت فوق الجميع، وتسلطت على الجميع.
ثم كان عبد ربه إلى جانب ذلك كله ضخم الجثة قوي البنية سريع العدوان، يرى في قبضة يده حجة كافية تسكت كل لسان، وتميت كل شكوى قبل أن تخرج من الأفواه.
وهل هناك سجين لم يذق لكمة من يد عبد ربه، أو لسعة أليمة من عصاه؟ لسعة واحدة ...
وإني لأذكر كيف رأيت بعيني أحد السجناء عقب «بسطة صغيرة» وهو لا يكاد يقوى على السير بقدميه، إن «البسطة» معناها بضع لسعات من عصا عبد ربه ينالها السجين إذا شكا أمرا، أو طلب طلبا، ولو جرعة ماء ... إن جواب عبد ربه على أي طلب مهما يكن متواضعا «أنا عارفك يا مسجون يا مجرم أنت ... أنت مشاغب لن ترجع حتى تنبسط ...»
وينبسط المسجون حتى يموت من الانبساط.
صفحه نامشخص