قالت باربرا: «أستطيع أن أتخلى عن كليهما.» وهنا دار الحديث بينهما حول الأشخاص اللافتين للنظر والمهمات السرية. لكن انتهى بهما المطاف بتناول الخمر كله، والضحك على سلوك آدم وفليسيتي. •••
بدأ فيكتور في زيارتهما في أوقات المساء. فيما يبدو، لم يشر حفل العشاء بالنسبة له إلى أي توقف أو صعوبة في صداقتهما. في حقيقة الأمر، كان يبدو أن الأمر أشعره براحة أكبر. كان بمقدوره الآن أن يقول شيئا عن زواجه - ليس شكوى أو تفسيرا بل شيئا مثل «تريد بياتريس ...» أو «تعتقد بياتريس ...» - وأن يتأكد أن قدرا كبيرا من كلامه سيفهم.
وبعد فترة، قال أشياء أكثر عنها. «بياتريس تتذمر من أنني لم أنته بعد من إعداد الإسطبل للخيول، لكن علي أولا أن أتعامل مع مشكلات الصرف، ولم يرد البلاط بعد؛ لذا لا يعتبر الجو جيدا جدا في المزرعة، لكن الصيف جميل هنا. أنا سعيد هنا.»
ثم أخيرا قال: «تمتلك بياتريس المال. هل تعرف ذلك؟ لذا يجب أن تستدعي هي السباك، أليس كذلك؟ هل فهمت الأمر على نحو خاطئ؟»
كان الأمر كما توقع موراي.
قالت باربرا: «تزوجها من أجل مالها والآن عليه أن يعمل مقابل ذلك ... لكنه يمتلك بعض الوقت للقيام بزيارات.»
قال موراي: «لا يستطيع أن يعمل ليلا ونهارا ... لم يعد يأتي لتناول القهوة أثناء النهار.»
هكذا كانت الطريقة التي استمرا في الحديث بها عن فيكتور - تهاجم باربرا، ويدافع موراي. صارت لعبة. شعر موراي بالارتياح أن باربرا لم تشعر فيكتور أنه غير مرحب به؛ لا تبدو متضايقة عندما يأتي للبيت في المساء.
كان يصل عادة في الوقت الذي كان موراي ينتهي فيه من جز الحشائش، أو التقاط بعض لعب الأطفال، أو تفريغ حوض استحمام الأطفال، أو رش المياه على مرجة أمه. (كانت أمه، كالمعتاد، تقضي جزءا من الصيف بعيدا، في وادي أوكاناجين.) كان فيكتور يحاول تقديم يد المساعدة، كان ينكفئ ليؤدي هذه الأعمال مثل إنسان آلي محتار ورقيق. ثم كانا ينقلان المقعدين الخشبيين الموجودين على المرجة في منتصف الفناء ويجلسان. كانا يستطيعان سماع باربرا تعمل في المطبخ، دون إنارة الأضواء، لأنها - مثلما كانت تقول - تجعلها تشعر بالحرارة. عندما كانت تفرغ من أعمالها، كانت تذهب للاستحمام وتخرج إلى الفناء عارية القدمين، عارية الساقين، شعرها الطويل مبلل، تفوح منها رائحة الصابون الذي برائحة الليمون. كان موراي يذهب إلى الداخل ويعد ثلاثة كئوس، والتي هي خليط من الجين وماء الصودا والثلج والليمون. كان عادة ينسى أن باربرا لا تضع الليمون في الثلاجة، وكان في كل مرة يناديها ليعرف مكانه أو ما إذا كانت قد نسيت أن تشتري البعض منه. ترك فيكتور مقعده وتمدد على الحشائش، وكانت سيجارته تومض في ضوء المساء الخافت. نظروا إلى السماء وحاولوا أن يشاهدوا قمرا - وهو لا يزال شيئا نادرا ومدهشا يمكن أن يراه المرء. كانوا يستطيعون سماع رشاشات الماء، وفي بعض الأحيان صرخات، دوي صافرة شرطة، ضحكات بعيدة. كان ذلك صوت برامج تليفزيونية، يأتي من خلال النوافذ المفتوحة والأبواب الخارجية السلكية بطول الشارع. في بعض الأحيان، كانا يسمعان صوت صفق الأبواب الخارجية السلكية عند مغادرة مشاهدي تلك البرامج المنزل لبرهة، وأصوات صاخبة لكن غير واضحة المعالم تتحدث في الأفنية الخلفية الأخرى حيث يجلس الناس يحتسون الشراب، مثلما يفعلان، أو يتأملون السماء. إذا نظرت لحياة هؤلاء الأشخاص، فيمكن أن تشعر بأن لها صوتا مسموعا، لكنها وحيدة، تسبح طليقة بعيدة بعضها عن بعض تحت سقف أفرع أشجار الزان والإسفندان أمام المنازل، وفي المساحات الخالية في الخلف، مثل أشخاص في نفس الغرفة يتحدثون، تسبح أرواحهم طليقة على حافة النوم. كانت رنة صوت مكعبات الثلج غير المرئية مريحة، تثير التأمل.
في بعض الأحيان، كان الثلاثة يلعبون لعبة ابتدعتها باربرا أو أخذتها عن لعبة أخرى. كانت تسمى «البرتقال والتفاح»، وكانت تستعين بهذه اللعبة حتى تشغل الأطفال أثناء تحركاتهم بالسيارة. كانت لعبة اختيارات، تتدرج في مستوياتها من السهل جدا إلى الصعب جدا. ربما تبدأ اللعبة بالاختيار بين زبد الفول السوداني وعصيدة الشوفان، ثم تنتقل إلى الاختيار بين زبد الفول السوداني وبوريه التفاح، وهو ما كان أصعب. تقع الخيارات الصعبة حقا بين شيئين يحبهما اللاعبون كثيرا، أو بين شيئين لا يحبهما اللاعبون أبدا، أو بين شيئين يستحيل مقارنتهما لسبب ما. لا يوجد فائز في هذه اللعبة. كانت متعة اللعبة تكمن في التفكير في خيارات صعبة أو في المعاناة نتيجة ذلك، وكانت نهاية اللعبة تأتي عندما يصرخ أحد اللاعبين قائلا: «أستسلم. لا أستطيع تحمل ذلك. هذا شيء في منتهى الغباء. لا أرغب في التفكير في ذلك مرة أخرى!»
صفحه نامشخص