كذبتان في حديث واحد، لا مراء في ذلك. أكاذيب صارخة، وواضحة، وعمدية، ونفعية. لكن كيف تستطيع هازل أن تعرف إذا ما كانت أنطوانيت تكذب حول عدم معرفتها بجاك؟ لم يكن أمام أنطوانيت أي خيار إلا أن تقول ذلك، بالنظر إلى الكذبة التي ظلت ترددها طوال الوقت حول عمرها. •••
في الأيام الثلاثة التالية ظلت تمطر بصورة متقطعة. عندما لم يكن هناك مطر، كانت هازل تتجول في المدينة، تنظر إلى الكرنب المنتفخ في الحدائق المنزلية الصغيرة، ستائر النوافذ البسيطة غير المبطنة المزخرفة بالزهور، بل كانت تنظر حتى إلى أشياء من قبيل أواني الفواكه المغطاة بمادة شمعية على المائدة في غرفة طعام مصقولة ضيقة. لا بد أنها اعتقدت أنها غير مرئية، بالنظر إلى الطريقة المتمهلة التي كانت تسير بها والتي كانت تحدق بها في الأشياء. كانت معتادة على تلاصق المنازل بعضها ببعض. عند ناصية الشارع، ربما تجد منظرا مفاجئا، ضبابيا للتلال الفاتنة. سارت بحذاء النهر وولجت إلى غابة كانت كلها من أشجار الزان، لها لحاء مثل جلد الفيل ونتوءات مثل الأعين المنتفخة. أضفت تلك الأشجار نوعا من الضوء الرمادي إلى الهواء.
عندما كان المطر يهطل، كانت تمكث في المكتبة، تقرأ كتب تاريخ. قرأت عن الأديرة العتيقة التي كانت هنا في مقاطعة سيلكيرك، والملوك بغابتهم الملكية، والحروب مع الإنجليز. معركة فلودن. كانت تعرف بعض الأشياء من خلال قراءاتها في الموسوعة البريطانية قبل أن تبرح منزلها. كانت تعلم من هو ويليام والاس، وأن ماكبث قتل دانكن في معركة وليس على فراشه.
كان دادلي وهازل يحتسيان الويسكي في الردهة، كل ليلة قبل العشاء. كان قد ظهر جهاز تدفئة كهربي، ووضع أمام المدفأة. كانت أنطوانيت تجلس معهما بعد العشاء. كانوا يتناولون القهوة معا. كان دادلي وهازل يتناولان كأسا آخر من الويسكي في وقت لاحق في المساء. كانت أنطوانيت تشاهد التليفزيون.
قالت هازل في تأدب: «يا له من تاريخ طويل!» أخبرت دادلي جانبا مما قرأت وشاهدت. «عندما رأيت اسم فيليفو للمرة الأولى منقوشا على تلك البناية عبر الشارع لم أكن أعرف ماذا يعني.»
قال دادلي مستشهدا فيما يبدو: «في فيليفو بدأت الهجمات ... هل تعرفين الآن معناه؟»
قالت هازل: «المعاهدون.» «هل تعلمين ما حدث بعد معركة فيليفو؟ قام المعاهدون بشنق جميع السجناء، هناك في الميدان الرئيسي بالمدينة، أسفل نوافذ غرفة الطعام، ثم ذبحوا جميع النساء والأطفال في أرض المعركة. انتقلت الكثير من العائلات مع جيش مونتروز؛ نظرا لأن كثيرا منهم كان من المرتزقة الأيرلنديين. كاثوليكيون بالطبع. لا، لم يذبحوهم كلهم. قادوا بعضهم سيرا إلى إدنبرة. في الطريق، قرروا إلقاءهم من فوق أحد الجسور.»
قال لها ذلك في صوت ودود، مبتسما. كانت هازل قد رأت هذه الابتسامة من قبل ولم تكن متأكدة تماما ماذا تعني: هل يتحداك أي رجل يبتسم على هذا النحو ألا تصدقين، ألا تقرين، ألا توافقين، أن هكذا يجب أن تكون الأمور، إلى الأبد؟ •••
كان جاك صعب المراس في النقاش معه؛ كان يستطيع التعامل مع أي هراء - من العملاء، من الأطفال، وربما من هازل أيضا. في المقابل، كان يغضب كل عام يوم الذكرى؛ نظرا لأن الجريدة المحلية كانت تنشر قصة حزينة عن الحرب. «لا أحد ينتصر في الحرب.» هكذا كان العنوان في قصص كتلك. كان جاك يلقي بالصحيفة على الأرض. «يا إلهي! هل كانوا يظنون أن الأمور كانت ستصبح هي نفسها إذا كان هتلر قد انتصر؟»
كان يغضب أيضا عندما كان يرى مسيرات مناهضي الحرب في التليفزيون، على الرغم من أنه لم يكن يقول شيئا، فقط كان يصدر أصوات استهجان أمام الشاشة على نحو مكبوت، ضجر. وبقدر ما كانت هازل تستطيع أن ترى، كان يظن أن الكثيرين - النساء بالطبع، لكن مع مرور الوقت، رجال أكثر وأكثر أيضا - عازمون على إفساد صورة أفضل جانب في حياته. كانوا يفسدون تلك الصورة من خلال تعبيرات الأسف الخاشعة والاستنكار وقدر معين من الكذب الكامل. لم يكن أي من هؤلاء يقر بأن أي جانب من الحرب كان ممتعا. حتى في رابطة المحاربين، كان من المفترض أن تعبر عن استيائك من الحرب؛ لم يكن يجدر بك أن تقول شيئا أكثر من أنك لا تفتقد أيام الحرب مهما كان الأمر.
صفحه نامشخص