كان الأمر يبدو على هذا النحو لأنهما كانتا فتاتين. كانت تريد أن تعرف ما إذا كان خروجهما في هذا البرد القارس يؤثر على دورتهما الشهرية. كانت تقول لهما نصا: «ألا يؤدي ذلك إلى تجميد البويضات؟» فهمت مارجوت وأنيتا المقصود، وقررتا - بعد ذلك - ألا تقوما بما تفعلانه حتى لا تتعرضا لمشكلات صحية من هذا النوع. لم تكن تيريسا سوقية، كانت فقط أجنبية. كان رويل قد التقاها وتزوجها في الخارج - في إقليم الألزاس واللورين - وبعد أن عاد إلى بلاده تبعته على السفينة مع جميع عرائس الحرب الأخريات. كان رويل يقود الحافلة المدرسية، هذا العام عندما كانت مارجوت وأنيتا في السابعة عشرة من عمرهما وفي الصف الثاني عشر. كان بداية الخط هنا عند المتجر ومحطة الوقود التي كان آل جولت اشتروها على طريق كنكاردين السريع، على مقربة من البحيرة.
أخبرتهما تيريسا عن مرتي إجهاضها. حدثت الأولى في والي، قبل أن ينتقلا إلى هنا وقبل أن يمتلكا سيارة. حملها رويل بين ذراعيه وذهب بها إلى المستشفى. (تسببت فكرة حملها بين ذراعي رويل في حدوث نوع من الإثارة في جسد أنيتا، كانت على استعداد لتحمل الألم الذي قالت تيريسا إنها كانت تشعر به حتى تجربها.) حدثت المرة الثانية هنا في المتجر. لم يستطع رويل - الذي كان يعمل في الجراج - أن يسمع صرخاتها الخافتة أثناء تمددها على الأرض غارقة في دمائها . جاء زبون ووجدها. قالت تيريسا: أشكر الرب على أنه منحني رويل. لم يكن رويل سيسامح نفسه. كان جفناها يطرفان، ونظرت إلى أسفل في خشوع، عندما كانت تشير إلى رويل وإلى علاقتهما الحميمة معا.
بينما كانت تيريسا تتحدث، كان رويل يدخل ويخرج من المتجر. خرج وأدار محرك الحافلة، ثم تركه حتى يسخن، وعاد إلى سكنهما، دون تحية أي منهما، أو حتى الرد على تيريسا، التي قاطعت حديثها لتسأل عما إذا كان قد نسي سجائره، أو عما إذا كان يريد المزيد من قهوة، أو ربما ما إذا كان يجب أن يرتدي قفازا يعطيه تدفئة أكثر. ضرب الأرض بحذائه ليزيل الثلج العالق به بطريقة كانت بمثابة إعلان عن وجوده أكثر من كونها محاولة لحفاظه على نظافة الأرضية. جلب جسده الطويل، واسع الخطوة تيارا من الهواء البارد خلفه، وكان ذيل سترته الفرو الطويلة المفتوحة يسقط عادة شيئا؛ عبوات الجيلي أو عبوات الذرة، التي كانت تيريسا قد رتبتها بطريقة جذابة. لم يستدر لينظر ماذا سقط.
قالت تيريسا إن عمرها ثمانية وعشرون، نفس عمر رويل. كان الجميع يعتقد أنها أكبر سنا منه؛ أكبر سنا بعشر سنوات. تفحصت مارجوت وأنيتا تيريسا عن قرب وقررتا أن جلدها يبدو ملفوحا. هناك شيء ما حيال جلدها، خاصة عند حدود شعرها وحول فمها وعينيها، يجعل المرء يتصور وكأنها فطيرة تركت وقتا أكثر مما ينبغي في الفرن، ما جعلها لا تحترق بل تبدو في لون بني داكن حول حوافها. كان شعرها خفيفا، كما لو كان قد تأثر بنوبة الجفاف أو الحمى نفسها، وكان شديد السواد؛ كانتا متأكدتين من صبغها إياه. كانت قصيرة، عظامها صغيرة، معصماها وقدماها صغيرة، لكن بدا جسدها منفوخا تحت منطقة الخصر، كما لو كان لم يتعاف بعد من مرتي الحمل القصيرتين، المريعتين. كانت رائحتها مثل رائحة شيء مسكر مطبوخ؛ مربى متبلة.
كانت تسألهما عن أي شيء، مثلما كانت تخبرهما عن أي شيء. سألت مارجوت وأنيتا إذا كانتا بدأتا في مواعدة الأولاد أم لا. «أوه، لم لا؟ أيمانع والداكما في ذلك؟ بدأت في الانجذاب إلى الأولاد بمجرد بلوغي الرابعة عشرة، لكن والدي كان يمنعني من الخروج معهم. كانوا يأتون ويطلقون صفيرا تحت نافذتي، كان يطردهم بعيدا. يجب أن تهذبا حواجبكما، أنتما الاثنتان. سيجعلكما ذلك تبدوان أجمل. يحب الأولاد الفتيات اللاتي تعتنين بمظهرهن. هذا شيء لا أنساه أبدا. عندما كنت في السفينة التي كانت تعبر المحيط الأطلنطي مع الزوجات الأخريات، كنت أقضي كل وقتي أعد نفسي لزوجي. بعض تلك الزوجات كن يكتفين بالجلوس ولعب الورق. لكن ليس أنا! كنت أغسل شعري وأضع زيتا جميلا لترطيب بشرتي، وكنت أحك قدمي بشدة بالحجر حتى أزيل الأجزاء الخشنة منهما. نسيت ما يطلقون عليها، الأجزاء الخشنة في جلد القدمين، وكنت أطلي أظافري وأهذب حواجبي وأعتني بنفسي حتى أبدو مثل جائزة لزوجي الذي كان سيقابلني في هاليفاكس. بينما كانت تلك الأخريات تكتفين بالجلوس ولعب الورق والنميمة بعضهن مع بعض.»
كانا قد سمعا قصة مختلفة عن إجهاض تيريسا الثاني. كانا قد سمعا أن الإجهاض حدث لأن رويل أخبرها أنه سئم منها، وكان يريد منها أن تعود إلى أوروبا، وفي قمة إحباطها ألقت بنفسها على مائدة مما أدى إلى إجهاض الطفل. •••
في الطرق الجانبية وعند بوابات المزرعة، كان رويل يقف ليقل الطلاب المنتظرين، الذين كانوا يدقون بأقدامهم الأرض ليتدفئوا، أو كانوا يتشاجرون في أكوام الثلوج. كانت مارجوت وأنيتا الفتاتين الوحيدتين في عمرهما اللتين كانتا تستقلان الحافلة تلك السنة. كان معظم الطلاب الآخرين من الصبية في الصفين التاسع والعاشر. ورغم أنه كان من الصعب التعامل معهم، كان رويل يسيطر على الطلاب حتى عندما كانوا لا يزالون يصعدون سلالم الحافلة. «توقفوا عن ذلك. أسرعوا. هيا اصعدوا للداخل إذا كنتم تريدون الصعود.»
وإذا كان ثمة بداية أي شجار على متن الحافلة؛ أي صراخ أو اشتباكات أو لكمات، أو حتى أي حركة من مقعد إلى آخر أو ضحك كثير وحديث بصوت عال، كان رويل يصيح في الصبية قائلا: «تهذب وإلا سأجعلك تذهب سيرا على الأقدام للمدرسة! نعم، أنت هناك، أعنيك أنت!» في إحدى المرات، طرد أحد الصبية من الحافلة؛ لأنه كان يدخن، على مسافة أميال من والي. كان رويل نفسه يدخن طوال الوقت. كان يضع غطاء دورق مايونيز على لوحة القيادة لاستخدامه كطفاية. لم يعارضه أحد - قط - في أي شيء كان يفعله. كان طبعه معروفا. كان الجميع يعتقد أن طبعه يتماشى بصورة طبيعية مع شعره الأحمر.
كان الناس يقولون إنه يمتلك شعرا أحمر، لكن لاحظت مارجوت وأنيتا أن شاربه والشعر فوق أذنيه فقط كان أحمر. أما لون باقي شعره، الشعر الآخذ في الانحسار من صدغيه فقط، والثقيل والمتموج في باقي المواضع، خاصة في الخلف - الذي كان الجزء الذي يرونه أكثر - فكان أسود مائلا إلى الاصفرار مثل فروة ثعلب كانا قد رأياه في صباح أحد الأيام يعبر الطريق الأبيض. وكان شعر حاجبيه الكثين، والشعر بطول ذراعيه وعلى ظهر يديه، باهتا أكثر، وإن كان يلمع عند سقوط أي ضوء عليه. كيف استطاع شاربه الاحتفاظ بحمرته؟ تحدثتا عن ذلك. تحدثتا باستفاضة، في هدوء، عن كل شيء عنه. هل كان وسيما أم لا؟ كان جلده متوردا وبه بقع، وله جبهة مرتفعة، لامعة، وعينان فاتحتا اللون كانتا تبدوان شرستين، غير مكترثتين. قررتا في نهاية المطاف أنه لا يبدو وسيما. غريب الشكل، في حقيقة الأمر.
لكن عندما كانت أنيتا قريبة منه كان ينتابها شعور بالاستثارة المحدودة عبر سطح جلدها. كان شيئا يشبه بداية عطسة بعيدة. كان هذا الشعور يبلغ ذروته عندما كانت تغادر الحافلة وكان هو يقف إلى جانب السلالم. كان الشعور بالتوتر ينتقل بسرعة من مقدمتها إلى ظهرها عندما كانت تمر بجانبه. لم تتحدث عن ذلك قط إلى مارجوت، التي بدا ازدراؤها للرجال أكثر مما كان. كانت أم مارجوت ترتعد من مضاجعة زوجها مثلما كان الأطفال يرتعدون من صفعاته وركلاته، ونامت ذات ليلة طوال الليل في صومعة الغلال، محكمة غلق الأبواب، لتجنب المضاجعة. كانت مارجوت تطلق على المضاجعة «الاتصال». كانت تتحدث في نبرة استخفاف عن «اتصال» تيريسا برويل. في المقابل، كان قد جال بخاطر أنيتا أن ازدراء مارجوت هذا في حد ذاته، مشاكستها واحتقارها، ربما يكون هو الشيء نفسه الذي يجده الرجال جذابا. ربما تكون مارجوت جذابة بطريقة ما لا تبدو هي جذابة بها. لا يتعلق الأمر بالجمال. كانت أنيتا تظن أنها أجمل منها، على الرغم أن تيريسا لم تكن ستمنح أيا منهما درجات مرتفعة في مسألة الجمال هذه. كان الأمر يتعلق بتغنج جريء كانت مارجوت تبديه في بعض الأحيان من خلال حركتها، من خلال عرض أردافها الكبيرة والانحناء النسائي لبطنها، ونظرة ما كانت تمر في عينيها البنيتين الكبيرتين، نظرة متحدية وعاجزة في آن، لا تتوافق على الإطلاق مع أي شيء كانت أنيتا قد سمعتها تقوله.
صفحه نامشخص