كانت ترغب في الحديث عن الأمر مع مايا. إلا أن إمكانية الحديث عن أي شيء مع مايا كانت قد تلاشت. فقد انتهت صداقتهما فجأة. •••
في الليلة التالية لواقعة كلوفر بوينت، كانت جورجيا تجلس على أرضية غرفة المعيشة تلعب الورق مع أبنائها قبل خلودهم إلى النوم. دق جرس الهاتف، وكانت متأكدة أن ذلك مايلز. كانت تفكر طوال اليوم أنه سيهاتفها، فكرت أنه حري به أن يهاتفها ليبرر لها ما فعل، ليطلب عفوها، أو ليقول إنه كان يختبرها - بطريقة ما - أو أنه كان قد طار صوابه مؤقتا بسبب ظروف لا تعلم عنها شيئا. كانت تنتوي ألا تغفر له في الحال، لكنها لن تنهي المحادثة الهاتفية.
كانت مايا هي المتصلة.
قالت مايا: «احزري أي شيء غريب حدث؟ لقد هاتفني مايلز، مايلز الذي تعرفينه. لا بأس، رايموند ليس هنا. كيف عرف اسمي أصلا؟»
قالت جورجيا: «لا أدري.»
كانت قد أخبرته، بالطبع. كانت قد قدمت مايا الطائشة إليه كنوع من التسلية، أو في إشارة إلى أنها مبتدئة في تلك اللعبة؛ أي إنها جائزة طاهرة نسبيا.
أضافت مايا: «يقول إنه يريد أن يأتي ويتحدث إلي. ماذا تعتقدين؟ ماذا دهاه؟ هل تشاجرتما؟ ... أجل؟ آه، حسنا، ربما يريدني أن أقنعك بأن تتصالحي معه. لا يسعني سوى أن أقول إنه انتقى الليلة المناسبة؛ فرايموند في المستشفى. ثمة امرأة حالتها متعسرة على وشك الولادة، ربما يضطر إلى المكوث في المستشفى وإجراء جراحة قيصرية لها. سأهاتفك وأخبرك كيف سار الأمر. حسنا؟»
بعد مرور ساعتين - بعدما نام الأطفال بفترة طويلة - بدأت جورجيا تترقب مكالمة مايا. راحت تشاهد الأخبار على التليفزيون، حتى تصرف ذهنها عن ذلك الترقب. ورفعت سماعة الهاتف حتى تتأكد من أنه يعمل. أغلقت التليفزيون بعد مشاهدة الأخبار، ثم أعادت تشغيله. وبدأت في مشاهدة أحد الأفلام. شاهدت الفيلم الذي تخللته ثلاثة فواصل إعلانية دون الذهاب إلى المطبخ لمعرفة الساعة.
بعد نصف ساعة من منتصف الليل خرجت من المنزل وركبت سيارتها وقادتها إلى منزل مايا. لم يكن لديها أدنى فكرة عما ستفعله هناك. ولم تفعل شيئا تقريبا. قادت السيارة في الممر الدائري مطفئة مصابيح السيارة. كان المنزل مظلما. كانت تستطيع رؤية المرآب مفتوحا ولم تكن سيارة رايموند فيه. ولم تجد للدراجة البخارية أثرا.
كانت قد تركت أطفالها وحدهم، دون أن تغلق أقفال الأبواب. ولكنهم لم يصبهم شيء. لم يستيقظوا ويكتشفوا هجرها لهم. ولم يفاجئها لص أو متسلل، أو قاتل عند عودتها. كان هذا حظا موفقا لم تفه قدره. كانت قد خرجت تاركة الباب مفتوحا والأنوار مضاءة، وعندما عادت لم تدرك مدى حماقتها، وإن أغلقت الباب وأطفأت بعض الأنوار واستلقت على أريكة غرفة المعيشة. لم تنم. ولم تحرك ساكنا، كما لو كانت أي حركة صغيرة ستزيد من شدة معاناتها، حتى رأت انبلاج ضوء الصباح وسمعت الطيور تستيقظ. كانت أطرافها قد تيبست. فنهضت واتجهت إلى الهاتف وتأكدت مرة أخرى أنه يعمل. ثم سارت متيبسة إلى المطبخ ووضعت قابس الغلاية ورددت لنفسها كلمات «شلل الفجيعة». «شلل الفجيعة». كيف فكرت هكذا؟ ذلك ما كانت ستشعر به - ما قد تصف به شعورها - إذا كان أحد أطفالها قد مات. فالفجيعة يشعر بها المرء عند حدوث خطب جلل، ومصاب فادح. كانت تعرف ذلك. ما كانت لتقايض ساعة واحدة من حياة أطفالها مقابل سماع الهاتف يدق في العاشرة مساء الليلة السابقة، وسماع مايا تقول: «جورجيا، إنه يائس، وآسف. إنه يحبك كثيرا.»
صفحه نامشخص