توجد هناك صديقة لأمهما. هل هذه هي المدرسة جاسي تول، أم زوجة ناظر المحطة؟ صديقات أمهما سيدات مفعمات بالحياة، في الغالب هن صديقات عابرات، متحررات ومستقلات في آرائهن، إن لم يكن كذلك في أفعالهن. •••
على المائدة، تحت المروحة، تفرق المرأتان أوراق اللعب وتحزران حظوظهما في الحياة. تتحدثان وتضحكان بطريقة تجدها جوان مثيرة، تآمرية. يجلس موريس على الأرض، يكتب في كراسة، يدون عدد النسخ التي باعها ذلك الأسبوع من مجلة «نيو ليبرتي»، ومن دفع، ومن لم يدفع بعد. يبدو صبيا جلدا وواثقا، في الخامسة عشرة من عمره، مرح لكن متحفظ، يرتدي نظارة إحدى عدستيها داكنة اللون. •••
عندما كان موريس في الرابعة من عمره، كان يتجول عبر الحشائش الطويلة في نهاية الفناء، قرب الجدول، وتعثر في جرافة حشائش كانت موضوعة هناك، أسنانها بارزة إلى أعلى، تعثر، فسقط على أسنانها، وجرح حاجباه وجفناه بصورة سيئة، وأصيبت مقلتا عينيه بشدة. بقدر ما تستطيع جوان أن تتذكر - كانت رضيعة عندما حدث ذلك - صار لديه ندبة عميقة، وفقد إحدى عينيه، وأصبح يرتدي نظارة إحدى عدستيها داكنة اللون.
كان أحد المتشردين قد ترك الجرافة هناك. هكذا قالت أمهما، قالت للمتشرد إنها ستعطيه سندويتشا إذا قام بإزالة الأوراق بالجرافة من تحت أشجار الجوز. أعطته الجرافة، وفي المرة التالية التي ألقت فيها نظرة عليه كان قد مضى، كان قد تعب من إزالة الأوراق، مثلما حزرت، أو غضب منها لسؤالها إياه العمل في المقام الأول. نسيت أن تذهب وتبحث عن الجرافة، لم يكن هناك رجل معها يساعدها في أي شيء. خلال أقل قليلا من نصف عام، كان عليها تجاوز الأشياء الثلاثة التالية: ميلاد جوان، وموت زوجها في حادث سيارة (كان يشرب، مثلما ظنت، لكنه لم يكن ثملا)، وتعثر موريس ووقوعه على الجرافة.
لم تصطحب موريس إلى أي طبيب أو إخصائي في تورونتو لإزالة أثر الندبة الكبيرة أو الحصول على استشارة منه حول عينه، لم يكن لديها مال، لكن ألم يكن بمقدورها اقتراض بعض المال (كانت جوان، أول ما بدأت تكبر، تتساءل حول ذلك)؟ ألم يكن بمقدورها الذهاب إلى أحد أندية الليونز وطلب المساعدة، مثلما يساعدون الفقراء في حالات الطوارئ؟ لا، لا لم يكن في مقدورها ذلك، لم تكن تعتقد أنها وأطفالها كانوا على نفس الدرجة من الفقر للأشخاص الذين كانت أندية الليونز تساعدهم. كانوا يعيشون في منزل كبير، كانوا ملاكا، يجمعون الإيجار من ثلاثة منازل صغيرة تقع في الجهة المقابلة من الشارع. لا يزالون يملكون مخزنا لبيع الأخشاب، على الرغم من أنهم لم يكن لديهم فيه في بعض الأحيان إلا موظف واحد. (كانت أمهما تحب أن يطلق عليها الأم فوردايس، على غرار أرملة في أحد المسلسلات الاجتماعية الإذاعية، الأم بركينز التي كانت تمتلك أيضا مخزن أخشاب.) لم يكونوا على نفس الدرجة من الحاجة التي كان عليها الفقراء الحقيقيون.
ما كان أكثر صعوبة أن تستوعبه جوان هو سبب عدم قيام موريس بعمل أي شيء. موريس يمتلك الكثير من المال الآن، ولم يعد الأمر متعلقا حتى بالمال. يدفع موريس أقساط التأمين في برنامج التأمين الصحي الحكومي مثلما يفعل الجميع، يمتلك ما ترى جوان أنه أفكار يمينية جدا فيما يتعلق بالسياسات الحمائية، والمسئولية الفردية، وعدم ملاءمة معظم أنواع الضرائب، لكنه يدفع أقساط التأمين، ألا يبدو منطقيا له أن يحاول أن يحصل على شيء في المقابل؟ علاج أفضل لجفن عينه؟ واحدة من تلك الأعين الجديدة الاصطناعية التي تمكنها حساسيتها الشديدة من الحركة في تناغم مع العين الأخرى، وكأنها عين حقيقية؟ حتى يتم ذلك، عليه الذهاب إلى إحدى المستشفيات العامة، وبعض الجلبة والجدال والمناورة.
لا يتطلب الأمر سوى إقرار موريس برغبته في تغيير الواقع، ليس عارا على الإطلاق أن يحاول المرء التخلي عن الوصمة التي طبعها القدر عليه. •••
تشرب أمهما وصديقتها مزيجا من الرم والصودا. هناك قدر من التساهل في المنزل ربما يدهش معظم الأطفال الذين تذهب جوان وموريس إلى المدرسة معهم: أمهما تدخن، وتشرب مزيج الرم والصودا في أيام الصيف الحارة، وتسمح لموريس بالتدخين وقيادة السيارة بمجرد بلوغه الثانية عشرة. (لا يحب موريس الرم.) لا تشير أمهما إلى الحادثة الأليمة، تتحدث عن المتشرد والجرافة، لكن ربما صارت عين موريس الآن أيضا شيئا خاصا، تغذيهما بفكرة أنهما جزء من تركيبة مميزة، لا لأن جدهما أنشأ مخزن الأخشاب - تضحك على ذلك، تقول إنه لم يكن سوى مجرد حطاب ابتسم الحظ له، ولم تكن هي شخصا ذا بال؛ جاءت إلى المدينة كموظفة في بنك - وليس بسبب منزلهما الكبير، البارد، المهمل، بل بسبب شيء خاص، سري، في عائلتهما الصغيرة. كان الأمر يتعلق بطريقة المزاح، والحديث عن الناس، يطلقون أسماء خاصة - كانت أمهما قد ابتدعت معظمها - على كل من في المدينة تقريبا، وهي تعرف الكثير من الشعر، منذ أيام المدرسة أو من مصادر أخرى، وهي تلصق بكل شخص بيتين من الشعر، يلخصانه بشكل عابث لا ينسى. تنظر عبر النافذة وتلقي بعض الشعر فيعرفان من كان يمر حينها. في بعض الأحيان، كانت ترفع صوتها في إلقاء الشعر وهي تقلب العصيدة التي يأكلونها من حين إلى آخر على العشاء والإفطار لأنها رخيصة.
نكات موريس غير مباشرة. لا يكف عن ذلك وترتسم على وجهه أمارات الخبث، وتتظاهر أمهما بأن صوابها يطير. في إحدى المرات، أخبرته أنه إذا لم يكف، فستفرغ سلطانية السكر فوق البطاطس المهروسة التي يتناولها. لم يفعل، ونفذت هي تهديدها.
هناك رائحة في منزل فوردايس، تأتي من الجص وورق الحائط في الغرف التي جرى إغلاقها، والطيور النافقة في المداخن غير المستخدمة، أو الفئران التي يجدون فضلاتها التي تشبه البذور في خزانة البياضات. الأبواب الخشبية في المداخل المقنطرة بين غرفة الطعام وغرفة المعيشة مغلقة، ولا تستخدم إلا غرفة الطعام. يفصل فاصل قديم بين القاعة الجانبية والقاعة الأمامية، لا يشترون الفحم أو يصلحون المدفأة المتهالكة. يدفئون الحجرات التي يعيشون فيها عن طريق موقدين، مستخدمين في ذلك بقايا الأخشاب التي يأتون بها من مخزن الأخشاب. لا يعد أي من ذلك مهما، لا يعد أي من حالات عوزهم وحرمانهم والصعوبات التي يمرون بها في حياتهم مهما. ماذا يهم إذن؟ النكات والحظ، هم محظوظون أن كانوا نتاج زواج دامت السعادة فيه خمس سنوات وعبر عن نفسه من خلال الحفلات، وحفلات الرقص، ومن خلال المغامرات الرائعة، كل الأشياء التي تذكرهم بالماضي في كل مكان حولهم: تسجيلات الجرامافون، الفساتين المهترئة التي بلا طراز محدد، المصنوعة من مواد مثل كريب جورجيت مشمشي وحرير زمردي مموج، وسلة رحلات بها دورق فضي. لم تكن هذه السعادة من النوع الهادئ؛ كانت تتضمن الكثير من الشرب، ارتداء الملابس الأنيقة، مع الأصدقاء - معظمهم من أماكن أخرى، حتى من تورونتو - الذين ذهبوا الآن، ألمت بكثير منهم أيضا المآسي، الفقر المفاجئ الذي كان سائدا في تلك السنوات، تعقيدات الحياة. •••
صفحه نامشخص