ففكرت زينب وقالت في نفسها: لو كان هذا الرجل يخدعني لما كان يرجو مني أن أذهب إلى بيت عمي حيث أنجو من الشرك، بل كان يحاول أن يأخذني إليه، ثم قالت: يا الله، من ينصب لي هذا الشرك؟ - زوجك. - وامصيبتاه! بربك، قل لي من أنت؟ - ليس الآن، اذهبي إلى بيت عمك «سوق يا أسطى.»
فحرك الحوذي العنان فانتهرته قائلة: «استنا» ثم قالت لطاهر: بربك أخبرني من أنت؟ - لا يليق بنا أن نقف في قارعة الطريق فهل تريدين أن تقفي معي دقيقة في منزل قريب.
فترددت زينب في بدء الأمر، فقال لها: إذا كنت في شك مني فلا تفعلي، بل عودي حالا إلى منزل عمك. - كلا، لا أشك بك، أذهب معك دقيقة واحدة.
فركب إلى جانبها وفي بضع ثوان كانت المركبة لدى منزل طاهر أفندي وفي الحال دخلا توا إلى غرفة طاهر، وكانت زينب هالعة الفؤاد حياء ومخافة أن يراها من يعرفها، ولكنها لم توجس شرا من طاهر؛ لأنها أنست للهجة كلامه.
وحالما دخلا الغرفة قرع طاهر جرس التلفون، وطلب نمرة 197.
فأجيب في الحال فسأل: من، فقيل له: بيت حسين باشا عدلي فسأل: هل الباشا في البيت؟ - نعم، من أنت؟ - لا يهمك أن تعرف من أنا، وإنما قل لسعادة الباشا أن يذهب إلى الجزيرة في الحال إلى المكان المعهود حسب الاتفاق أمس، لا تسألني شيئا، قل للباشا: أن يمضي في الحال.
وبالطبع لم تسمع زينب من هذا الحديث إلا كلام طاهر فخفق قلبها؛ لأنها لم تفهم معناه، فقالت: من كلمت؟ - عمك حسين باشا، قصدت أن يذهب إلى الجزيرة حيث ينتظر المؤتمرون قدومه إلى هناك؛ لكي يمسكوك في عار، وسيذهب عمك إلى هناك فلا يجدك؛ إذ تكونين في منزله. - رباه ما هذه الألغاز التي أراها، في منزل من أنا؟ - لا تخافي يا زينب، إنك في منزل صديق قديم. - لا أذكرك قط، ذكرني، متى عرفتني؟ لا أذكر أني أعرف أحدا. - أنا أول من عرفته يا زينب. - بربك، لا ترعني يا هذا قل لي: من أنت، ما اسمك؟ - لا ترتعبي يا زينب؛ إنك أمام ملاكك الحارس لا تخافي، لا يجسر النسيم أن يمس منك ذرة.
وكانت زينب جالسة على كرسي وطاهر واقفا على بعد منها، ثم قال: ألا تذكرين أيام صباك يا زينب؟
فانتفضت زينب جزعا، وقالت: تفكرني بأيام صباي؟ - يظهر أنك تريدين أن تنسي حبيبك الأول. - أخيال أنت أم بشر، إن حبيبي الأول يطوف في عالم الأرواح الآن. - كلا، بل هو في عالم الأجساد.
ثم كشف ردنه عن ذراعه اليمنى، وأراها ساعده موشوما عليه اسم زينب وقال لها: لا بد أنك تذكرين جيدا هذه الذراع التي وشمت باسمك رمزا لهذا القلب (وأشار إلى قلبه) الذي تطعم بحبك.
صفحه نامشخص