سعد زغلول زعیم الثوره
سعد زغلول زعيم الثورة
ژانرها
وهكذا كان في هذه الفترة، يسأم ويتعب ويخيل إلى من رآه أنه يهم بأن ينفض يديه، ثم يتحداه متحد فإذا هو واقف على قدميه لا يسره أن يستريح منه الخصوم.
الفصل الثالث عشر
رئاسة مجلس النواب
كانت رئاسة مظلوم باشا لمجلس النواب الأول مشهورة بضرب الجرس لحفظ النظام؛ بحيث يصح أن يقال إن الجلسات - ما لم يحضرها رئيس الوزارة، أو تحتدم فيها المناقشة لأمر يشغل النواب - كانت مقسومة بين لغط الرئيس بدق الجرس ولغط النواب بالكلام.
وأذكر أن زميلنا الأستاذ محمود عزمي حرمه مجلس النواب تذكرته التي يحضر بها المجلس لما كان يكتبه عنه من القوارص والغمزات؛ فانتقل إلى مجلس الشيوخ واستمر على نشر أخبار مجلس النواب، وهو يزعم أنه يتلقى تلك الأخبار من طريق المكاشفة والتنويم! فلقيته يوما بمجلس الشيوخ وسألته أن يرينا معجزة من معجزاته على سبيل المداعبة ... فيذكر لنا ما يجري الساعة في المجلس الآخر، فهام بنظره قليلا كأنما يستطلع الغيب وقال: مظلوم باشا يدق الجرس! قلنا جميعا: آمنا لك بالمكاشفة ... ما في ذلك جدال!
ففي عهد رئاسة سعد للمجلس بطل دق الجرس أو كاد، ولاحظ المختلفون إلى المجلس في العهدين أن الجرس قد أصبح من الأدوات النيابية الملغاة، وكان الأجانب والمصريون على السواء يقولون: ليس هنا مجلس ورئيس، ولكنه معلم محبوب بين تلاميذ مطيعين.
ولم يكن سعد يستعين في حفظ النظام بنصوص القانون ولا بحق الرئاسة في منع الكلام وفض المناقشات، إنما كان يستعين بسلطان هو أشد رهبة من جميع النصوص والحقوق، وهو سلطان العارضة القوية والفكاهة الحاضرة؛ فكان العضو من الأعضاء يقول قولا سديدا أو يصمت؛ لأنه يخشى إذا أطلق لسانه بغير السداد أن يستهدف على الأثر لجواب مفحم أو نكتة لاذعة من منصة الرئاسة.
حدث لما ذهب ثروت باشا إلى لندن لمصاحبة جلالة الملك والتماس الفرصة الملائمة لفتح باب المفاوضة في القضية المصرية؛ أن عضوا من الأعضاء الذين يخالفون مبدأ المفاوضة من أساسه وجه استجوابا إلى نائب رئيس الوزارة، يستوضح فيه موقف ثروت باشا في لندن، ويحرج الوزارة إحراجا لا تملك الجواب فيه؛ لأن المفاوضة لم تكن هي الغرض الرسمي لسفر ثروت باشا، وإنما كانت بغية متفقا عليها بين ولاة الأمر يرجى أن تتاح لها الفرصة الملائمة بعد جس النبض واستطلاع الأحوال، فإذا قالت الوزارة - ردا على الاستجواب - إنها ستفاوض أو إنها لا تفاوض، فليس في ذلك تسهيل لما كانت تنويه.
وألح كثير من الأعضاء على صاحب الاستجواب أن يلغي استجوابه، فلم يفعل ولم يستمع وجنح إلى الإحراج والعناد، وأشار الوزراء بالمطاولة والمراوغة في عرض الاستجواب، فأبى عليهم سعد أن يخالف نظام المجلس، وقال لهم: بل يعرض الاستجواب، ونعالجه بما يستحقه الإحراج والعناد.
وجاء الموعد المحدد وتلي الاستجواب، وانتظر العضو المحترم جواب الوزارة، وهو موقن بأنه قد وضعها في الفخ الذي لا خلاص منه بغير إحباط المفاوضات، ولكنه لم يكد يتهيأ لسماع الجواب المأمول، حتى فاجأه وزير الحربية - باتفاق سابق مع سعد - قائلا: «إن هذا الاستجواب موجه إلى شخص غير موجود.»
صفحه نامشخص