57

ساعات بین کتاب‌ها

ساعات بين الكتب

ژانرها

بأشربة وقفن بلا أوان

وأمواه يصل بها حصاها

صليل الحلي في أيدي الغواني

إلى أن يقول:

يقول بشعب بوان حصاني

أعن هذا يسار إلى الطعان

أبوكم آدم سن المعاصي

وعلمكم مفارقة الجنان!

فصليل الحلي في أيدي الغواني هنا تحلية صحيحة تضاف إلى قيمة المعنى ولا توضع على غلافه؛ لأنها تشبيه صادق ليس فيه عبث مزيف ولا شعوذة محتال، والدنانير التي ألقاها الشرق في ثياب المتنبي دنانير يقبلها صارف الشعر، وإن كانت لتفر من بنان صيارف المال! والخاطر الذي أورد على قريحة المتنبي أن يضع على لسان حصانه ذلك التهكم الحيواني خاطر قد يلوح لأول نظره كأنه اللعب والمجانة، ولكنه في هذا الموقع أصدق خاطر يرد على خيال شاعر، وأخلق تعبير أن يبين لنا الفارق بين هموم الحيوان في الحياة وهموم الإنسان. إذ من الذي يعير ابن آدم بسابقة أبيه في مفارقة الجنان غير الحيوان البعيد عن هذه القرابة؟ ومن الذي يؤثر وداعة الطبيعة وراحة الجسم على دواعي المجد ومغريات الكفاح غير الحيوان الآكل العشب، العائش على الفطرة الخلي من هذه الدواعي والمغريات؟ ومن الذي يعلم كراهة الحيوان للنقلة من مثل ذلك الوادي الرغيد فلا يرى أنه قائل بلسان حاله ما ترجمه المتنبي في ذينك البيتين اللذين جمعا الصدق إلى الفكاهة، والشعر إلى الفلسفة، والوصف إلى حسن الأداء؟ ضع هذا المعنى على لسان خادم المتنبي مثلا، أو على لسان فارس من فرسانه، وأنت تزداد علما بمكان الصدق في هذا الخاطر البعيد الذي قربه المتنبي إلينا أجل تقريب. •••

هذه أمثلة من الفروق بين الصحيح والزيف في الشعر والبلاغة، أمثلة نعود إليها كرة بعد أخرى؛ لتوضيح مذهبنا في النقد، ونظرتنا إلى المعاني، وتقديرنا للشعراء، وقد تغنينا الأمثلة كما قلنا في فاتحة هذا المقال عن تقرير القواعد وشرح المقاييس.

صفحه نامشخص