سبیل حیات
سبيل الحياة
ژانرها
وقس على هذا غيره، فالذي يدخل غرفة مثلا دخلها قبل ذلك تسعا وتسعين مرة يدخل في الحقيقة ما يصح أن نصفه بأنه مائة «رواية» لهذه الغرفة، والذي يدخلها لأول مرة لا يعرف أي شيء هي إلا بفضل تجربته السابقة لغيرها من الغرف. ذلك أن الإدراك مستحيل بغير الذاكرة وربما كانت الحياة نفسها مستحيلة بغير الذاكرة الواعية «التي تكون وراء الوعي» إذ كانت الغريزة ليست إلا نوعا من الذكرى. والعقل يعيش في الماضي لأنه يعجز عن إدراك الحاضر ولا يستطيع أن يدرس إلا ما وقع أي تم أو بعبارة أدق لا يدرك إلا صورة يستريح إلى التسليم بأنها مطابقة للحقيقة، ومعنى ذلك أننا نعيش ونحيا بين الصور التي نرسمها لتيار الحياة، وليست صورة المستقبل في أذهاننا إلا مرقعة من صورة الماضي.
ولما وصلت إلى هذا الحد وجدتني أسأل نفسي: إذا صح ذلك أفلا يكون التفكير الإنساني كله خرافة؟ وإذا كانت درجة التطابق بين هذه الخرافة وبين الحقيقة ليست مما يمكن تعيينه أفلا يمكن تعيينه أفلا يكون الشك مطلقا؟!
وهربت من الجواب بنظرة إلى المرقص، وكرعة روية من الشراب قلت بعدها لنفسي: إن فلسفة هؤلاء الراقصين أمتع من هذه الفلسفة التي لا آمن أن تؤدي بي إلى الشك في وجودي إذ كيف أستطيع أن أثق بحواسي وبما تنهيه لي إذا أطردت هذه الأقيسة وجرى بي هذا المنطق إلى غايته؟ وما لي إلا أن أستنيم إلى مثل فلسفة هذه الخلائق المغتبطة؟ وبأي شيء تفضل فلسفتي فلسفاتهم؟ وإلى أي مدى أبعد تبلغ بي؟ اسمح لي إذن بقدح آخر أيها الزنجي المحترم وصفحك عن هجائي الذي لم يضرك ولم تشعر به.
الفصل التاسع عشر
الرجل والمرأة
1
أمر النساء في كل حال عجيب. وإذا كان أحد من الرجال يفهمهن - كما ينبغي أن يفهمهن - فأنا والله بهن جاهل. ولي العذر، فما أراهن يفكرن في شأن على نحو ما أفكر أنا أو يتناولنه من الناحية التي أتناوله منها. وأحسب أن هذا الضرب من الجهل هو الوحيد الذي لا يعيب المرء أو يسقط قيمته أو يزري به. قالت لي مرة فتاة من معارفنا: «ما قولك؟» قلت: «خير إن شاء الله! نعم يا ستي!» قالت: «هل يشغلك شيء غدا؟» قلت: «إذا كنت تعنين بالشيء العمل فإنه لا ينقطع، على أن أمري بيد الله ثم بيدي فأشيري كيف تأمرين، والعوض على الله قالت: «اسمع. نريد..».
فقاطعتها: «نريد؟ هكذا؟ بلفظ الجمع؟»
قالت: «لا تقاطع من فضلك. اسمع.. نعم أختي وبنت عمي وأنا».
قلت: «أهلا وسهلا تفضلي..».
صفحه نامشخص