سبیل حیات
سبيل الحياة
ژانرها
وكانت قوية الشكيمة فلا رأي إلا رأيها في الأسرة كلها، وإن كانت صغرى أخواتها، وكثيرا ما كانت نفسي تحدثني أن أنازعها السيادة، ولكنني كنت لا أكاد أهم بذلك حتى أرتد، وكان يكفي أن ترمي إلي نظرة وتقول: «استح يا ولد»فيتحلل العزم وأهوي على راحتها باللثمات.
وكانت تكتفي بالنظرة الأولى إذا أمكن أن تستغني عن الكلمة، فكنا نتفاهم بالعيون والذين حولنا غافلون لا يفطنون إلى شيء، فمن ذلك أنها لما حضرتها الوفاة قالت: «أعطني ثلاثين قرشا» ولم تكن بحاجة إلى ذلك.
وكنت قد أعددت عدتي لذلك اليوم، فأدركت أنها تريد أن تطمئن على أن معي ما يكفي لنفقات المأتم، وكانت جريدة السياسة معطلة والأزمة مستحكمة فأخرجت ما معي وقلت لها: خذي ما تشاءين، فأخذت جنيها دسته تحت الوسادة فظل حيث وضعته حتى ماتت.
وكانت قد أصيبت فجأة، وفي منتصف الليل، بذبحة وكانت من شدة التمزيق الذي تحسه في صدرها تخبط بيديها في الهواء كالذي ألقي به في الماء وهو لا يعرف السباحة، وظلت تقاوم الداء تسعة أيام بقوة إرادة الحياة. ولم أر منها ما يدل على التضعضع والانهزام إلا قبيل الوفاة بدقائق. وكنت أناولها الدواء، فأشاحت بوجهها عنه، فألححت، فقالت: إرضاء لك فقط». وشربته، ثم نامت فوضعت يدي على فمها فلم أشعر بنفس.
وقد ظل أخي زمنا لا يغفر لي أن خدعته وكذبت عليه.
تلك هي أمي، أو تلك هي بعض خطوط الصورة. وإني لجليد في العادة، ولكن موتها هدني. فقد كانت لي أما وأبا، وأخا وصديقا.
الفصل الثالث
أساتذتي
أكبر أساتذتي. وأولاهم بالتقديم، وأحقهم باستيجاب التعظيم، اثنان. وقد علمني غيرهما أشياء كثيرة بعضها نافع، وبعضها لا أعلم - ولعلي مخطئ - أني انتفعت منه، من مثل القراءة والكتابة والحساب والتاريخ والرطانة بلسان أجنبي. إلى آخر هذا وقد نسيت أكثره لأني لم أحتج إليه بعد أداء الامتحان فيه أما دروس هذين الأستاذين الجليلين فإنها مما لا ينسى.
ولابد من تمهيد للتعريف بهما فإنهما أسمى مقاما وأجل شأنا وأعمق أثرا في حياتي من أن أضن عليهما بكلمة تقديم وجيزة.
صفحه نامشخص