ثم ينحو نحو البهاء زهير في قصيدته: «رفعت رايتي على العشاق» فيقول:
أنا هو سلطان الغرام وربه
وكل فتى يرعى الهوى هو من جندي
بيد أن هذا الطموح إلى الجديد قد اندفع مع التيار العصري؛ فقال كغيره - تواريخ وألغازا - ونظم على طريقة الحلي قصيدة يبتدئ كل بيت منها بالحروف الهجائية من الهمزة إلى الياء، كما قال أبياتا كلها من المهمل.
وفي الديوان أيضا ما يشبه المواليا، ولكنه أفصح لغة وأصح، وقد لاحظت في استقرائي هذا الديوان؛ أن الشاعر لم يدع حرفا إلا قال عليه شعرا حتى حرف الثاء والظاء وغيرهما، وقد راسل أشهر أدباء عصره ومدحهم كالشدياق، واليازجي، وغيرهما، وتلك كانت خطة متبعة في ذلك الزمان كما ذكرنا.
هذا هو ديوان مرآة الحسناء، وسأعرفك بمشهد الأحوال، وغابة الحق؛ ليس لأنهما كتابان نادران، لا تجدهما إلا على رفوف المكاتب الخاصة، بل لأنهما كتابان من نمط جديد. (2-2) مشهد أحوال
على كتاب «مشهد الأحوال» و«غابة الحق» قامت شهرة المراش، فقد كان لهذين الكتابين شأن حين ظهرا؛ فأحلا مؤلفهما مقاما رفيعا في دنيا الأدب، لم يكن ذلك لبلاغتهما ولكن طرافتهما - في زمن قل فيه الطريف - أنزلتهما تلك المنزلة. بنى المؤلف كتابه «مشهد الأحوال» على أحوال الحياة والمجتمع: حال الكون، حال الجماد، حال النبات، حال الحيوان، حال الإنسان. ومما قاله في هذا المخلوق الأناني العجيب: «فغدا يصارع الحاضر، ويرتعد من المستقبل، ويأسف على الدابر. فما ابتسم إلا وبكى، وما شكر إلا وشكا، إذا فرح بضعة أيام، حزن بعض أعوام، إلى أن يقول شعرا:
إنما المرء لا يرى غير بلوا
ه فلابن الإنسان عين قصيرة
ولا تعجب إن رأيت السجع في هذا الكتاب، فما أرى صحبه إلا ناحيا نحو أصحاب المقامات، ولكن بموضوع غير موضوعهم؛ لأن ثقافته غير ثقافة أولئك.
صفحه نامشخص