ألم تقرأه غاضبا؟ بالله تقرأه! فهو يمثل بخصمه تمثيلا تفرد به، ولا يخشى نقاش الحساب فيخلط الشدة بضغث من اللين شأن الكثيرين من النقاد الذين يحفظون خط الرجوع.
إذا دخلت، أو إذا قيض لك أن تدخل إدارة المعرض فوقع نظرك على فتى لا يبلغ الطرف آخره، مفترشا مقعدا شرقيا ومتوسدا كفه، وإلى جنبه نارجيلة يستظهر بدخانها على استلهام النكات. أو إذا قدر لك في الساعة الواحدة ظهرا أن تدس أبصارك في شق باب الإدارة فأصابت جمهرة تكترش من الطعام، ووقفت فيها على عمود بشري لا تنابذ معدته لونا من ألوان المأدبة، ولا تهبط يده على جفنة إلا ويأخذ منها بقسط وافر، فقل هذا «خليل تقي الدين».
في مقلتيه اللوزيتين حوة كحوة الشفق عند انحطاط الشمس، تفيض على ضفاف أجفانه بشيء من الكسل، وأرى في شعره العذب مجة من هذا اللون الجميل.
شاعر حساس اهتدى الطريق إلى مصفى اللفظ ولباب الخيال، ولكنه لم يعلف قلبه لمدى الشعر ككثير من الشعراء؛ إذ لم يغرب عنه أن هذا الشيطان مشغلة عن غيره.
له في عالم الشعر هيكل خاص يمشي فيه مشي المرح الفخور، إذ اشتراه بدم قلبه وآلام لياليه. قال:
طلبت مني شعرا
لبيك لبيك إنا
أصحابه فجميل
منا وقيس المعنى
والشعر يوحى إلينا
صفحه نامشخص