روم
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
ژانرها
وليس لنا أن نذكر هنا جميع من لمع من رجال هذه المدرسة في القرن الثالث، ولكن لا بد من القول إنها قد عظم شأنها منذ أيام أوريجانيوس، وأصبح رئيسها هو الثاني بعد البطريرك في كنيسة الإسكندرية، وقد رقي أغلب رؤساء هذه المدرسة السدة البطريركية.
فأما في القرن الرابع فكان أشهر رجالها القديس أثناسيوس البطريرك الإسكندري، ولد وثنيا حوالي السنة 295 في الإسكندرية، وقرأ ودرس في مدرستها، وسامه البطريرك الإسكندري ألكسندروس شماسا في السنة 318 واستصحبه إلى مجمع نيقية المسكوني الأول سنة 325، فأظهر من الذكاء والعلم والمعرفة ما جذب إليه القلوب، وخلف معلمه في بطريركية الإسكندرية في السنة 328، فناضل في سبيل «المساوي في الجوهر» نضالا طويلا ونفي خمس مرات.
ولم يكن ذلك الكاتب الأديب الكامل، ولا ذلك الفيلسوف الدقيق العميق، ولكنه كان محاميا واضح التفكير قوي الحجة واسع الاطلاع، كتب في تجسد الكلمة، وفي لاهوت الابن وفي الآريوسية، وأشهر مؤلفاته وأكثرها انتشارا وأقواها أثرا؛ كتابه في سيرة الأب أنطونيوس مؤسس الرهبانية في مصر؛ فقد ظل هذا الكتاب مدة طويلة أفعل الكتب في تحبيب الترهب في الشرق والغرب معا، وتوفي البطريرك آثانسيوس في السابع عشر نيسان، سنة 373.
وولى أثناسيوس ذيذيمس الأعمى رئاسة المدرسة حوالي السنة 350، وما زال ذيذمس رئيسا عليها حتى وفاته في السنة 398، وكان أوريجانيا معتدلا، على أن تآليفه لم يبق منها سوى كتابيه في الروح القدس والثالوث الأقدس.
ومن أشهر تلاميذ مدرسة الإسكندرية في هذه الحقبة الأخيرة من القرن الرابع: سيناسيوس القيروني، ولد وثنيا ودرس في الإسكندرية على إباتية الفيلسوفة وغيرها، فتقبل الأفلاطونية الجديدة ومارس أسرارها المصرية، ثم استبدل أفلاطون بالمسيح وتزوج من مسيحية، وفي أواخر حياته سيم أسقفا على بتوليمايوس، وكان شديد الاهتمام بالسياسة - كما تدل على ذلك رحلته إلى القسطنطينية (399-402) - وقد سبقت الإشارة إليها، ولم يكن سيناسيوس مؤرخا، ولكن رسائله المائة والست والخمسين تشتمل على معلومات تاريخية هامة، وتظهر درجة تقدمه في الفلسفة وعلوم اللسان، وأصبحت هذه الرسائل - فيما بعد - نموذجا مثاليا يقتدي به كل أديب وخطيب، أما ترانيمه فإنها مزيج غريب من الفلسفة والنصرانية.
18
وتضعضعت مدرسة الإسكندرية بعد وفاة ذيذيمس الأعمى، ونقلها رودون إلى سيدة في بامفيلية، ثم انقرضت حوالي السنة 410، وجاء ذلك موافقا لما حدث في مصر من عدول الأكثرية إلى القول بالطبيعة الواحدة، ما أدى إلى انفصال الكنيسة المصرية عن الكنيسة الأم بعد المجمع الرابع (451) انفصالا صرفها إلى الاهتمام بالقبطية والابتعاد عن اليونانية لغة الفكر والبحث.
أنطاكية
وأخطب خطباء هذا العصر وأفصحهم أنطاكيان: أحدهما وثني ليبانيوس، والآخر مسيحي يوحنا الذهبي الفم، وقد يكون ليبانيوس لبنانيا وقد لا يكون، ولد في أنطاكية في السنة 314 بعد الميلاد وتوفي فيها في السنة 393، وتعلم في أنطاكية ثم في آثينة، وعلم في نيقية ونيقوميذية والقسطنطينية، وعاد إلى بلده في الأربعين من عمره وما فتئ فيها يعلم ويخطب ويكتب حتى قضى نحبه بعد أربعين عاما، ولا يزال قسم كبير من خطبه ورسائله محفوظا حتى يومنا هذا، وفيها صور رائعة لحياة ذلك العصر، وكان ليبانيوس يعتز باليونانية ويزدري اللاتينية، فلا يتنازل لتعلمها، واحتقر النصرانية واعتبرها عدوة الحضارة وحزن لموت يوليانوس الجاحد فقال قوله المأثور: «إني ذاهب إلى الحقول لأتحدث إلى الحجارة.» ولما شرع في هدم الهياكل الوثنية قال: «إن هدم الهيكل كقلع العين؛ فالهياكل روح المناطق وأعرق المباني فيها.»
19
صفحه نامشخص