روم
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
ژانرها
10
والواقع أن يزدجرد الأول (399-420) أخلص في صداقته وترفع عن مضايقة النصارى في بلاده، وسمح لهم في السنة 409 أن يرمموا كنائسهم وأن يتعبدوا أحرارا، وسمح في السنة 410 بأن ينعقد، في عاصمته طيسفون، مجمع مسيحي انتخب إسحاق أسقف طيسفون «سلوقية» رئيسا على الكنسية الفارسية، ومنحه لقب كاثوليكوس، وصلى المجتمعون من أجل سعادة يزدجرد ونصره وتأييده،
11
ولكن حكومة فارس عادت - بضغط من كهنة زرادشت وطبقة النبلاء - إلى اضطهاد المسيحيين في السنة 421، فانقطعت العلاقات السياسية بين الدولتين، ولجأ الرومان إلى العنف، فدحر أردبوروس جيوش ملك الملوك، فسارع بهرام الخامس في السنة 422 إلى عقد صلح «يدوم مائة سنة»، وتعهد بهرام برفع الأذى عن المسيحيين، وبأن يطلق لهم حرية المعتقد والعبادة، فقابله ثيودوسيوس بمثل هذا فيما يتعلق بالزرادشتية في أرضه،
12
وتعاهد الطرفان أيضا ألا يحض أحد منهما العرب في أرضه على غزو العرب في أرض جاره، والإشارة هنا إلى المناذرة والغساسنة، «وكان المنذر بن النعمان قد غزا الشام مرارا، وأكثر المصائب في أهلها، وسبى وغنم، وكان قد جعل معه ملك فارس كتيبتين يقال لإحداهما دوس وهي لتنوخ، وللأخرى الشهباء وهي لفارس، فكان يغزو بهما الشام، ومن لم يطعه من العرب.»
13
وكانت فارس قد دخلت في دور كثرت فيه مطامع النبلاء والكهنة، وتشعبت واشتدت فيه هجمات الهون البيض على حدودها الشرقية الشمالية، وكانت بيزنطة قد اعتدلت في مطالبها - كما سبق أن أشرنا - فدام السلم بين الدولتين ردحا طويلا من الزمن.
تحوط واحتياط في الداخل
وكان من نتائج هذه اليقظة الوطنية الرومانية - التي سبقت الإشارة إليها - أن انصرف أنثيميوس المدبر الوصي إلى العناية باستحكامات المدن وقلاعها، فرمم عددا وافرا منها في شمالي البلقان الغربي، وعلى ضفة الدانوب. وكانت القسطنطينية قد اتسعت إلى خارج الأسوار التي أنشأها قسطنطين الكبير، فأقام أنثيميوس سورا جديدا في السنة 413 يدفع عن الأحياء الجديدة شر البرابرة وغيرهم، ثم تصدع هذا السور الجديد بزلزال قوي، فرممه قسطنطين المدبر، وأنشأ حوله سورا ثالثا عززه بخندق واسع عميق، وجاء عهد قورس المدبر فأنشأ تحصينات جديدة من جهة البحر، وأصبحت القسطنطينية في عهد ثيودوسيوس الثاني تنعم بثلاثة أسوار منيعة، ثبتت في وجه كل عدو حتى سقوط المدينة في السنة 1453، فصانت مدنية زاهرة في عصور اضطراب وفوضى.
صفحه نامشخص