روم
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
ژانرها
فلما تم لرومة بسط سلطانها في حوض البحر المتوسط، اعتبر رجالها إلهتهم رومة إلهة الإمبراطورية بأسرها، وبهر أوغوسطوس رعايا رومة في الشرق بقوته وتدبيره وعظمته، فرأوا في شخصه مخلصا إلهيا يمنع الحروب ويوطد السلم، وهو ما تنص به جملة نقوش في نواحي متعددة من آسية الصغرى ترقى إلى القرن الأول قبل الميلاد.
وفي السنة 29 قبل الميلاد ذهب اليونان في آسية الصغرى إلى أبعد من هذا فأنشئوا هيكلا خاصا لعبادة رومة وأوغوسطوس، ورأى أوغوسطوس في هذا الأمر خيرا له ولرومة، فشجع عليه رعاياه ونقله إلى الغرب، فظهر في ليون مثلا في السنة 12 قبل الميلاد مذبح لرومة ولأوغوسطوس معا، وقام مثله في السنة 5 بعد الميلاد في مدينة كولون، ونشأت في جميع أنحاء الإمبراطورية أخويات دينية سياسية دعيت الواحدة منها أوغوسطالية، وكانت تقيم الحلقات لأوغوسطوس وتترنم به وترقص، واتخذ هو لنفسه لقب الحبر الأعظم،
13
وما كادت تنتظم أمور هذا الدين الإمبراطوري الجامع حتى أخذ رسل المسيح وتلاميذه يبشرون بإله لا إله إلا هو، تجسد وولد من مريم العذراء، وصلب وتألم ومات من أجل البشر، وقام وصعد إلى السماء ليدين الجميع، ولو حصر الرسل والتلاميذ عملهم في الأوساط اليهودية لما تنبه الرومان وتيقظوا، ولكنهم بشروا «الخليقة كلها» وحملوا رسالة السيد إلى أمهات المدن، لا بل إلى رومة نفسها، فكان لا بد من الاضطهاد.
الاضطهاد
ويجدر بالقارئ أن يذكر فيما يتعلق بالاضطهاد أربع حقائق؛ أولا: أن المؤرخين يشيرون عادة إلى عشرة اضطهادات بين السنة 64 بعد الميلاد والسنة 313 سنة البراءة. وثانيا: أن الاضطهاد أجري بموجب تشريع خاص صدر عن الإمبراطور نيرون في السنة 64 وقضى بألا يكون أحد مسيحيا،
14
وثالثا: أن الاضطهاد لم يكن دائما عاما شاملا. ورابعا: أنه لا يمكن تحديد عدد الضحايا، ويجوز القول إنهم كانوا كثرا.
وفي عهد نيرون (54-68ب.م) اتهم المسيحيون بإحراق رومة سنة 64، فكان ما كان من شتى ألوان العذاب، واستشهد الرسولان بطرس وبولس. ويرى بعضهم أن بولس قضى حوالي السنة 67. وفي أيام دوميتيانوس (81-96ب.م) على إثر ثورة اليهود حل بالمسيحيين دور آخر من العذاب؛ فاستشهد في رومة عدد من الأشراف لأول مرة، وذاق يوحنا الإنجيلي آلام الحرق بالزيت الحامي، ونفي إلى جزيرة باتموس، واستشهد تيموثاوس في آسيا الصغرى، وألقي القبض على أقارب السيد في فلسطين ثم أطلق سراحهم، وجاء دور تريانوس (98-117) فلقي أسقف أورشليم القديس سمعان حتفه مصلوبا (107)، وقضى أسقف أنطاكية إغناطيوس الشهير في رومة في السنة نفسها، وأعدم كثيرون في بيثينية ومقدونية، وكتب طيباريوس حاكم فلسطين إلى الإمبراطور يقول: إن المسيحيين في أنطاكية ازدحموا مستميتين في سبيل الرب، وفي عهد أنطونينوس (138-161)، في السنة 155 استشهد بوليكاربوس أسقف أزمير ومرقس أسقف أورشليم، وقضى في رومة حوالي السنة 165 القديس يوستينوس النابلسي الفيلسوف المعلم، وذلك في عهد مرقس أوريليوس.
واستشهد في أيام هذا الإمبراطور نفسه أيضا بوبليوس أسقف أثينة، وحكم على كثيرين بالعمل الشاق في المناجم، واهتم سبتيموس سويروس (193-211) لانتشار النصرانية في مصر، فملأ السجون بالنصارى ودفع ببعضهم إلى الجلادين في الإسكندرية، وببعض إلى الحيوانات المفترسة في مدرج قرطاجة، ولكن خلفاءه أباطرة السلالة السورية اللبنانية لم يقتفوا أثره في شيء من هذا، بل قام أحدهم سويروس ألكسندروس يحاول إنشاء هيكل لعبادة المسيح في رومة، وجاء فيليبوس العربي (244-249) يلاطف ويهادن، فحمل ذلك خلفه داسيوس (249-251) أن يكره جميع السكان في المدن والأرياف أن يمثلوا أمام رجال السلطة في وقت محدد ليقدموا الذبيحة لشخص الإمبراطور، فارتد عن الدين الجديد عدد من الأغنياء والوجهاء واستشهد في سبيله عدد كبير من المؤمنين، وبين هؤلاء أوريجانيوس اللاهوتي الفيلسوف الذي سجن في قيصرية فلسطين وعذب فيها ومات من جراحه في صور (254)، وألكسندروس أسقف أورشليم، وبابيلاس أسقف أنطاكية، ونسطوريوس أسقف مجدو.
صفحه نامشخص