روم
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
ژانرها
29
فنما عددهم على حساب الآريوسيين، وفي السنة 380 أقر الإمبراطور ثيودوسيوس الأول رئاسته على القسطنطينية، وأيد ذلك المجمع المسكوني الثاني في السنة 381 فرعاها حتى السنة 382، وكان حساسا جدا فلم يوافق جو القسطنطينية مزاجه، فقال قوله المأثور: «ردوني إلى الانفراد! ردوني إلى الله!» فكان له ذلك، وعاد راجعا إلى نازيانزة؛ حيث قضى فيها باقي عمره، وتوفي في السنة 391.
وأشهر مصنفاته خطبه في العقائد والأعياد والقديسين، وتآبينه وأشعاره اللاهوتية، وقصيدته الطويلة في تاريخ حياته، واهتدى في دقائق اللاهوت إلى عبارات لطيفة موفقة، وتجلت في خطبه ومواعظه مقدرة فائقة في التعبير والإقناع، فلقب بالثاولوغوس (اللاهوتي)، وأحيانا بالثاولوغوس الثالوثي؛ لأنه تكلم كثيرا في الثالثوث وفي وحدانية جوهره وطبيعته.
30
وأما باسيليوس الكبير
31
فقد سبق عنه الحديث، ويجدر بنا هنا أن نضيف أن جدته لأبيه القديسة مقرينة تتلمذت لغريغوريوس العجائبي، وأن جده لأمه حاز شرف الشهادة، وأن أخته الكبرى مقرينة ترهبت، وأن والدته إميلية قضت أعوامها الأخيرة في العبادة، وأن أخويه بطرس وغريغوريوس كانا في مصاف الأساقفة، وأشهر الاثنين غريغوريوس، ويعرف بالنيسي، وقد فاق أخاه باسيليوس الكبير وصديق أخيه غريغوريوس الثاولوغوس في الدقة والتعمق، ولد في قيصرية قبدوقية حوالي السنة 335، وتأدب فيها وعلم الخطابة مدة من الزمن، ثم أثر الثاولوغوس في نفسه فتنسك، ثم سامه أخوه باسيليوس أسقفا على نيسة سنة 371، وعزله الآريوسيون سنة 376، ولكنه عاد إليها بعد سنتين، واشترك في أعمال المجمع المسكوني الثاني، فأحرز احتراما عظيما؛ لتفوقه في جودة التفكير ووضوح التعبير، وصنف كثيرا. وأشهر مؤلفاته رده على أنوميوس وأبوليناريوس، وكانت وفاته في السنة 394 في الأرجح.
وتضلع جميع هؤلاء الأحبار الثلاثة من العلوم الكلاسيكية، واجتهدوا اجتهادا صالحا في اللاهوت، وتوافقوا فشكلوا ما عرف فيما بعد بالمذهب الإسكندري الجديد، استعانوا بالفلسفة وأصروا على تحكيم العقل في العقيدة، ولكنهم لم يتطرفوا في التأويل تطرف أساطين الإسكندرية، ولم يتخلوا عن تقاليد الكنيسة الموروثة، وأضافوا إلى تصانيفهم الكثيرة في العقيدة مجموعات من الخطب والرسائل تشكل في حد ذاتها مواد أولية هامة لتفهم الفكر والثقافة في هذه الفترة موضوع هذا الفصل، ولم يقم بعدهم في قبدوقية من حافظ على هذه المكانة العالية التي أوصلها إليها في تاريخ الفكر هؤلاء الأفاضل الأماثل.
واختلف الآباء فيما بعد في التفاضل بين باسيليوس الكبير وغريغوريوس الثاولوغوس ويوحنا الذهبي الفم، ثم اتفقوا نحو السنة 1100 فأقروا عيدا تذكاريا للثلاثة معا عرف بعيد الأقمار الثلاثة، ورتب يوحنا أسقف أفخاطية خدمة كنائسية خاصة لهذا العيد. «هلموا نلتئم جميعا ونكرم الثلاثة الكواكب العظيمة للاهوت المثلث الشموس التي أنارت المسكونة بآشعة العقائد الإلهية، وأنهار الحكمة الجارية بالعسل التي روت الخليقة كلها بسواقي معرفة الله، باسيليوس العظيم وغريغوريوس اللاهوتي ويوحنا الشهير الذهبي اللسان، ونمتدحهم بالأناشيد يا عاشقي مواعظهم؛ فإنهم يتشفعون إلى الثالوث فينا دائما» (30 كانون الثاني).
الرها
صفحه نامشخص