Rulings on Acts of Worship Following the Second Dawn

Nasser bin Mishari Al-Ghamdi d. Unknown

Rulings on Acts of Worship Following the Second Dawn

أحكام العبادات المترتبة على طلوع الفجر الثاني

ناشر

دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٢٩ هـ

محل انتشار

المملكة العربية السعودية

ژانرها

سلسلة البحوث العلمية المحكمة (٣٣) أَحْكَام الْعِبَادَات المترتبة على طُلُوع الْفجْر الثَّانِي دراسة فقهية تأصيلية موازنة «مُحكم ومقبول للنشر فِي مجلة الْأُصُول والنوازل بجدة» تأليف الدكتور نَاصِر بن مُحَمَّد بن مشري الغامدي الْأُسْتَاذ المشارك بقسم الْقَضَاء وَكيل كُلية الشَّرِيعَة والدراسات الإسلامية جَامِعَة أم الْقرى بِمَكَّة المكرمة دَار ابْن الْجَوْزِيّ

صفحه نامشخص

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة أهمية الموضوع، وأسباب الكتابة فيه: الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينًا قويمًا، وهدانا إليه صراطًا مستقيمًا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، لم يزل عليًا قديرًا، قويًا عزيزًا، إلهًا حكيمًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بعثه الله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلي الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فإن الله ﵎ أمر عباده المؤمنين بجملة من العبادات العظيمة، والأركان الجليلة لهذا الدين؛ صلاة، وزكاة وصيامًا، وحجًا، وغيرها، وجعل لها أجلًا مضروبًا، وموعدًا محدودًا، بيَّنه سبحانه في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله الأمين ﷺ أتم البيان وأوضحه. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: ١٠٣] أي مؤقتًا بوقت محدد مبين (١). وعن أبي موسى الأشعري ﵁ عن رسول الله ﷺ أنه

(١) انظر: تفسير القرآن العظيم (٢/ ٤٠٤).

1 / 5

أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة، فلم يرد عليه شيئًا، قال: «فأقام الفجر حين انشق الفجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا، ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول: قد انتصف النهار، وهو كان أعلم منهم، ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أخَّر الفجر من الغد حتى انصرف منها، والقائل يقول: قد طلعت الشمس أو كادت، ثم أخَّر الظهر حتى كان قريبًا من وقت العصر بالأمس، ثم أخَّر العصر حتى انصرف منها، والقائل يقول: قد احمرت الشمس، ثم أخَّر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم أخَّر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول، ثم أصبح فدعا السائل فقال: الوقت بين هذين» (١). بل نص أهل العلم على أن من شروط صحة الصلاة: دخول الوقت، فلا يجوز أداء الصلاة قبل وقتها المحدد لها شرعًا، كما لا يجوز بعد خروج وقتها، وهذه المسألة مما اتفق عليه الفقهاء في الجملة سلفًا وخلفًا، استنادًا إلى الحديث الشريف الذي سبق، في تحديد مواقيت الصلاة، وغيره من الأدلة المعروفة في هذا الخصوص. قال ابن قدامة ﵀: "أجمع المسلمون على أن

(١) أخرجه مسلم في صحيحه (٢٤٤) كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب أوقات الصلوات الخمس (١٧٨) (٦١٤).

1 / 6

الصلوات الخمس مؤقتة بمواقيت معلومة محددة، وقد ورد ذلك في أحاديث صحاح جياد (١). ونص الفقهاء، ﵏، على أن المكلف إذا شك في دخول وقت الصلاة، لم يصل حتى يتيقن دخوله، أو يغلب على ظنه ذلك (٢). قال العلامة ابن قدامة ﵀: "ومن صلى قبل الوقت لم تجزئه صلاته، في قول أكثر أهل العلم؛ سواء فعله عمدًا أو خطأ، كل الصلاة أو بعضها. وبه قال الزهري، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي .. وعن مالك كقولنا، وعنه فيمن صلى العشاء قبل مغيب الشفق جاهلًا أو ناسيًا، يعيد ما كان في الوقت، فإن ذهب الوقت قبل علمه، أو ذكره فلا شيء عليه، ولنا أن الخطاب بالصلاة يتوجه إلى المكلف عند دخول وقتها، وما وجد بعد ذلك ما يزيله ويبرئ الذمة منه، فيبقى على حاله (٣). هذا في الصلاة: وأما في الصيام؛ فقد قال الله سبحانه: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الليْلِ﴾ [البقرة: ١٨٧] فحدد الله ﵎ بهذه

(١) المغني (٢/ ٨) وانظر: البيان (٢/ ٢٠، ٢٢). (٢) انظر: البيان (٢/ ٢٠، ٣٤، ٣٦) المغني (٢/ ٣٠). (٣) المغني (٢/ ٤٥، ٤٦).

1 / 7

الآية الكريمة وقت الصيام اليومي للمسلم تحديدًا واضحًا بينًا. وفي الحج: حج المصطفى ﷺ حجته المشهورة (حجة الوداع) وأدى مناسك الحج في أوقات محددة وكان ﷺ يتحيَّن في بعض الأحكام، حتى يحين وقتها، فيفعلها؛ كالدفع من عرفة، ورمي الجمار بعد الزوال أيام منى، وغيرها، مما أوضحه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله ﵁ في صفة حجة النبي ﷺ التي نقلها ورواها في الصحيح (١). وكان ﷺ يقول للصحابة الذين حجوا معه بين الحين والآخر: «خذوا عني مناسككم» (٢). وهذا كله يدل على أهمية الوقت في الإسلام، وأن لله تعالى عملًا بالليل لا يقبله بالنهار، وعملًا بالنهار لا يقبله بالليل، وأن العبادات، في الغالب، مؤقتة بأجل محدود، لا يجوز تأخيرها عنه، ولا تقديمها عليه إلا لعذر وضرورة، كما بين أهل العلم، ﵏. وقد رسم الشرع الحنيف التوقيت وحدده في تكاليف كثيرة، غير الصلاة والصيام والحج، لا سيما في أبواب

(١) أخرجه مسلم في صحيحه (٤٨٣، ٤٨٥) كتاب الحج، باب حجة النبي ﷺ (١٢١٨). (٢) أخرجه مسلم في صحيحه (٤٨٣) كتاب الحج، باب حجة النبي ﷺ (١٢١٨).

1 / 8

العبادات؛ فوقت في كثير من أحكام الزكاة عمومًا، وزكاة الفطر خصوصًا، والأضحية والتيمم، والمسح على الخفين، والطلاق، والعدد، ونحو ذلك، وما ذاك إلا لأهمية الوقت في نظر الشارع واعتباره. هذا، وإن من المسائل المهمة في المواقيت مسألة طلوع الفجر الثاني الصادق؛ حيث رتب الشارع عليها جملة من الأحكام الشرعية المتعلقة بأركان الإسلام العظيمة، ودعائمه الأساسية التي قام عليها؛ في الصلوات المفروضة والنافلة، وفي الصيام، وفي الحج؛ بحيث يبدأ وقت بعض هذه الأحكام أو ينتهي بطلوعه. ونظرًا لأن الفجر فجران؛ صادق وكاذب، والتفريق بينهما من المسائل الدقيقة، ونظرًا لكثرة المسائل الفقهية المتعلقة بطلوعه وأهميتها؛ حيث إنها من العبادات الشرعية التي تعبدنا الله تعالى بها، ونظرًا لأنه لا يوجد حسب علمي وبحثي واطلاعي بحث علمي يفرق بين الفجرين، ويجمع شتات هذه المسائل المؤقتة بطلوع الفجر الثاني، ويحرر أحكامها، ويؤصل مسائلها، ولأهمية هذا الموضوع لكل مسلم، باعتباره جزءًا عظيمًا من عبادته لربه، لا يستغني عن معرفته وضبطه - رغبت في بحث المسائل والأحكام الفقهية التي رتبها الشارع الحكيم على طلوع الفجر الثاني (الصادق)، جمعت

1 / 9

فيه ما تناثر من هذه المسائل في أبواب العبادات، وأصَّلتها بأدلتها الصحيحة، وفوائدها الشرعية؛ سواء في ذلك ما كان فائتًا بطلوع الفجر الثاني، أو كان وقته يبدأ بطلوع الفجر الثاني، وسرت في بحث هذه المسألة بعد هذه المقدمة المشتملة على أهمية البحث وسببه على الخطة التالية خطة البحث ومسائله: المطلب الأول: تعريف الفجر، وبيان نوعيه، والفرق بينهما. المطلب الثاني: أحكام الصلاة المترتبة على طلوع الفجر الثاني. المطلب الثالث: أحكام الصيام المترتبة على طلوع الفجر الثاني. المطلب الرابع: أحكام الحج المترتبة على طلوع الفجر الثاني. المطلب الخامس: مسائل متفرقة تترتب على طلوع الفجر الثاني. منهج البحث سرت في بحث هذا الموضوع وفق المنهج التالي: ١ - قصرت البحث على المسائل الفقهية التي رتبها الشارع سبحانه على طلوع الفجر الثاني مباشرة، سواء منها ما كان وقته ينتهي بطلوع الفجر الثاني، أو كان يبدأ بطلوعه،

1 / 10

دون المسائل التي قد يرتبها المكلف على نفسه بنذر أو شرط أو سبب. وحسب الاستقراء والتتبع والبحث فإن هذه المسائل محصورة في ثلاثة أبواب: الصلاة، والصيام، والحج، إضافة إلى أربع مسائل؛ تتنازعها هذه الأبواب مع أبواب أخرى، وقد جري الخلاف بين أهل العلم في ترتبها على طلوع الفجر الثاني؛ وهي وقت غسل يوم الجمعة، ووقت غسل العيدين، ووقت إخراج زكاة الفطر، ووقت ذبح الأضحية؛ فلأجل هذا آثرت أن أفردها في مطلب مستقل. ولم أستطرد في الخلافات والمسائل المتفرعة عن هذه المسائل؛ حتى لا يطول البحث، وقصرًا للمسائل على موضوع البحث. ٢ - اجتهدت قدر الطاقة في بيان الخلاف المعتبر، مع بيان الراجح في كل مسألة بدليله من الكتاب والسنة، وعدم التوسع في الخلافات المذهبية الضعيفة، إلا ما دعت إليه الضرورة وخدمة البحث وتأصيله؛ لأن في بعض مسائل البحث خلافات شاذة، وأقوالا ضعيفة، وقد أعرضت عنها؛ لأن العبرة بالراجح الذي يؤيده الدليل، فليس كل قول معتبرًا، إلا قولًا له حظ من النظر. ٣ - رجعت إلى كتب أهل العلم المعتبرة قديمًا مع الاستفادة من الدراسات والمؤلفات الحديثة.

1 / 11

٤ - عزوت الآيات إلى سورها في صلب البحث، وخرَّجت الأحاديث النبوية في هامش البحث من مصادرها المعتمدة؛ فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بهما دون غيرهما، وإن كان في غيرهما من كتب السنة، وضحت جانبًا كافيًا من تخريجه، مع بيان درجته صحة وضعفًا، ملتزمًا في ذلك بطريقة الاستدلال والرجوع إلى كتب الحديث، ولم أستدل في هذا البحث إلا بدليل ثابت؛ سواء كان صحيحًا أو حسنًا، معرضًا عن كثير من الأدلة الضعيفة، لأن في الحديث الثابت، والحمد لله، غنية عن الضعيف. إلا إذا كان الحديث الضعيف دليلًا لقول من أقوال أهل العلم في المسألة، فإني أورده، كدليل لهم، ثم أبين حكمه ودرجته. ٥ - بدأت في ترتيب المراجع في الهامش إذا اختلطت: بكتب اللغة، ثم كتب التفسير، ثم كتب الحديث، ثم شروحه ثم كتب الفقه مرتبة على المذاهب الفقهية، ثم الدراسات الحديثة. ٦ - عرَّفت بالغريب من المفردات والأماكن التي تحتاج إلى تعريف وبيان، ولم أترجم للأعلام الواردة في البحث؛ لأن البحث فقهي، ومنعًا للإطالة، ولكون أغلب الأعلام الواردة فيه من المشهورين. ٧ - ختمت البحث بأهم النتائج المستخلصة منه، ثم بينت المصادر والمراجع.

1 / 12

مصطلحات البحث ورموزه: للبحث مصطلحات ورموز، بيانها على النحو التالي: ١ - حرف (ح): المقصود به رقم الحديث في الكتاب الذي أخرجه، أو تكلم عليه، إذا كان مرقمًا. ٢ - حرف (ت): في صلب البحث اختصارًا لكلمة الوفاة، وفي قائمة المراجع اختصارًا لكلمة تحقيق. ٣ - حرف (ض): في فهرس المصادر اختصارًا لكلمة ضبط. ٤ - حرف (د): في قائمة المصادر اختصارًا للقب الدكتور. ٥ - حرف (ط): في قائمة المصادر المقصود به رقم الطبعة. ٦ - حرف (هـ، م) يقصد به بيان التاريخ؛ هجري أو ميلادي. هذا واسأل الله تعالى القبول والتوفيق والسداد في القول والعمل، وأن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وخدمة للعلم وأهله، وأن ينفع به من كتبه وقرأه واطلع عليه. ما كان فيه من صواب فمن الله وحده، له الفضل والحمد والمنة، وما كان فيه من خطأ وتقصير فمن نفسي والشيطان، واستغفر الله منه، واسأله التجاوز عنه، والتوفيق لتداركه وتصحيحه. وإلى مسائل البحث، سائلا من الله التوفيق والسداد.

1 / 13

المطلب الأول تعريف الفجر، وبيان نوعيه، والفرق بينهما أولا: تعريف الفجر: الفجر في اللغة: قال ابن فارس الرازي ﵀: "فَجَرَ: الفاء، والجيم، والراء: أصل واحد؛ وهو التفتح في الشيء، ومن ذلك الفجر؛ انفجار الظلمة عن الصبح، ومنه انفجر الماء انفجارًا: تفتح" (١). والفجر: ضوء الصباح، وهو حمرة الشمس في سواد الليل؛ والفجر في آخر الليل كالشفق في أوله، وقد انفجر الصبح وتفجَّر وانفجر عنه الليل، وانفجروا: دخلوا في الفجر، كما تقول: أصبحنا من الصبح، والفجر: انكشاف ظلمة الليل عن نور الصبح؛ وشق الشيء شقًا واسعًا كفجر الإنسان سَكْرَ النهر الذي يُسَّدُّ به، ويقال: طريق فجْر، واضح، وفَجَرْتُهُ فانفجر، وفَجَّرْتُهُ فتَفَجَّر؛ قال الله تعالى: ﴿وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا﴾ [القمر: ١٢] وقال تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا﴾ [الإسراء: ٩٠].

(١) معجم مقاييس اللغة (٤/ ٤٧٥) باب الفاء والجيم وما يثلثهما.

1 / 15

ومنه قيل للصبح: فجْر؛ لكونه فَجَرَ الليل؛ قال تعالى: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] (١). وقيل للطالع من تباشير ضياء الشمس من مطلعها: فجْر؛ لانبعاث ضوئه ونوره عليهم بطرقهم وفجاجهم. وهذا ابتداء تنفس الصبح، قال الحق سبحانه ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾ [التكوير: ١٨] (٢). وهما فجران: أحدهما المستطيل؛ وهو الكاذب الذي يسمى ذنب السرحان. والآخر المستطير؛ وهو الصادق المنتشر في الأفق؛ ولا يكون الصبح إلا الصادق (٣). وكانت العرب تسمي الفجر (أول بياض النهار) الخيطَ الأبيض والصَّديع؛ ومنه قولهم: انصدع الفجر، ويقولون للأمر الواضح: هذا كفلق الصبح، وكانبلاج الفجر، وتباشير الصبح (٤). وأما تعريف الفجر في اصطلاح أهل العلم: فلا يخرج عن معناه في لغة العرب؛ فهو عند الفقهاء فجران: الفجر الأول: وهو البياض المستدق المتنفس صُعُدًا من

(١) انظر في معاني الفجر لغة: مفردات ألفاظ القرآن (٦٢٥، ٦٢٦) لسان العرب (١٠/ ١٨٧) المعجم الوسيط (٢/ ٦٧٥) جميعها (فجر). (٢) انظر: تفسير الطبري (جامع البيان) (٣/ ٢٦٢، ٢٦٣). (٣) انظر: مفردات ألفاظ القرآن (٦٢٥، ٦٢٦) لسان العرب (١٠/ ١٨٧) جميعها فجر. (٤) انظر: تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) (٣/ ١٩٧ - ١٩٩).

1 / 16

غير اعتراض كذنب السرحان (وهو الذئب) ويسمى الفجر الكاذب؛ لأنه يضيء ثم يسود، ويسمى الخيط الأسود، ولا يتعلق به حكم. والفجر الثاني: هو البياض المستطير المنتشر في الأفق، ويسمى الخيط الأبيض، والفجر الصادق؛ لأنه صدَقَك عن الصبح وبيَّنه لك، والصبح: ما جمع بياضًا وحمرة (١). وظهور الفجر بعد الظلام الدامس من آيات الله ﷿ العظيمة التي تستحق الشكر والثناء؛ فإن هذا النور الساطع بعد الظلام الدامس لا أحد يستطيع أن يأتي به إلا الله سبحانه؛ قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ الليْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَاتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾ [القصص: ٧١]. ثانيًا: نوعا الفجر، وبيان الفرق بينهما: مر معنا في تعريف الفجر: أن الفجر في لغة العرب، وفي اصطلاح أهل العلم نوعان؛ الفجر الأول: وهو الفجر الكاذب، والفجر الثاني: وهو الفجر الصادق. وقد أشار الله سبحانه إلى هذين النوعين في قوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الليْلِ﴾ [البقرة: ١٨٧].

(١) انظر: المبسوط (١/ ١٤١) البيان (٢/ ٣٢) المغني (٢/ ٣٠).

1 / 17

قال عدي بن حاتم ﵁: لما نزلت ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ عمدت إلى عقال أسود، وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت انظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله ﷺ فذكرت له ذلك، فقال: «إنما ذلك سواد الليل، وبياض النهار» (١). وعن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، رحمه الله تعالى عليه، قال: قال رسول الله ﷺ: «الفجر فجران؛ فالذي كأنه ذنب السرحان، لا يحرم شيئًا، وأما المستطير الذي يأخذ الأفق، فإنه يحل الصلاة، ويحرم الطعام» (٢). والتفريق بين الفجرين: الأول، والثاني (الكاذب والصادق)

(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٤٦١) في تفسير الآية من كتاب الصوم (١٩١٦) ومسلم في صحيحه (٤٢٢) كتاب الصوم، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر (١٠٩٠). (٢) أخرجه ابن جرير الطبري بسنده في تفسيره (٣/ ٢٥٢، ٢٥٣) ومن طريقه ابن كثير في تفسيره (١/ ٥٢٠) وقال: وهذا مرسل جيد اهـ. وأخرجه بنحوه ابن أبي شيبة في المصنف (٢/ ٢٨٩) كتاب الصيام، باب ما قالوا في الفجر ما هو (٩٠٧١) والحاكم بنحوه عن ابن عباس مرفوعًا، في كتاب الصوم (١٥٤٩) وصححه ووافقه الذهبي في التلخيص، المستدرك ومعه التلخيص (١/ ٥٨٧). والبيهقي في السنن الكبرى (١/ ٣٧٧) كتاب الصوم، باب الفجر فجران، ودخول وقت الصبح بطلوع الآخر منهما، وصححه مرسلًا. وصححه بشواهد الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (٥/ ٨ - ٩) (٢٠٠٢).

1 / 18

من المسائل الشرعية الدقيقة التي يحتاج إلى معرفتها كل مسلم؛ لما ينبني على ذلك من صحة إيقاع العبادات المحددة المرتبة على طلوع الفجر في وقتها الشرعي الصالح لها؛ ولأن التشابه بين الفجرين يخدع من ليس عنده خبرة للتمييز بينهما، ويغره؛ ولأجل هذا فقد نبه المصطفى ﷺ إلى هذا في حديث سمرة بن جندب ﵁ قال: «لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل هكذا، حتى يستطير هكذا؛ يعني: معترضًا» (١). وفي رواية عنه قال: «لا يغرنكم نداء بلال، ولا هذا البياض حتى يبدو الفجر، أو قال: حتى ينفجر الفجر» (٢). وعن طلق بن علي، رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله ﷺ قال: «كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر» (٣). قال الإمام الترمذي ﵀: "والعمل على هذا عند أهل

(١) أخرجه مسلم في صحيحه (٤٢٤) كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر (٤٣) (١٠٩٤). (٢) أخرجه مسلم في صحيحه (٤٢٤) كتاب الصيام باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، (٤٤) (١٠٩٤). (٣) أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح (٣/ ٨٥) كتاب الصوم، باب ما جاء في بيان الفجر، (٧٠٥) وأبو داود في سننه (٣٤٢) كتاب الصوم، باب وقت السحور، (٢٣٤٨) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (٢/ ٥٦) (٢٣٤٨) حسن صحيح.

1 / 19

العلم؛ أنه لا يحرم على الصائم الأكل والشرب حتى يكون الفجر الأحمر المعترض، وبه يقول عامة أهل العلم (١). قال الإمام أبو سليمان الخطابي ﵀: "قوله: (لا يهيدنكم) معناه: لا يمنعكم الأكل، وأصل الهَيْد: الزجر؛ يقال: هِدْتُ الرجل، أَهِيدُه هيْدًا، إذا زجرته، ويقال في زجر الدواب: هَيْدَ هَيْدَ، والساطع المرتفع، وسطوعها ارتفاعها مصعدًا، مثل أن يعترض، ومعنى الأحمر ههنا، أن يستبطن البياض المعترض أوائل الحمرة؛ وذلك أن البياض إذا تتام طلوعه، ظهرت أوائل الحمرة، والعرب تشبه الصبح بالبلق في الخيل، لما فيه من بياض وحمرة (٢). وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الفجر ليس الذي يقول هكذا؛ وجمع أصابعه، ثم نكسها إلى الأرض، ولكن الذي يقول هكذا؛ ووضع المُسَبِّحة على المُسَبِّحة، ومد يديه» وفي لفظ: «الفجر هو المعترض وليس بالمستطيل» (٣).

(١) الجامع الصحيح (٣/ ٨٦). (٢) معالم السنن (٢/ ٩٠). (٣) أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه (٤٢٣، ٤٢٤) كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، (٣٩) (١٠٩٣) والبخاري بنحوه في صحيحه (١٥٧، ١٥٨) كتاب الأذان باب الأذان قبل الفجر (٦٢١).

1 / 20

واستنادًا إلى هذه النصوص الشرعية: وغيرها مما هو في معناها، فقد ذكر أهل العلم جملة من الفروق بين الفجرين؛ الكاذب والصادق، يتبين من خلالها صفات كل منهما؛ بيانها على النحو التالي. ١ - أن الفجر الكاذب مستطيل ساطع، ممتد من الشرق إلى الغرب، مصعد كالعمود إلى أعلى، جهته وسط السماء، أو يميل قليلًا. أما الفجر الصادق فإنه يخرج معترضًا مستطيرًا في الأفق، معترضًا من الجنوب إلى الشمال، يملأ بياضه وضوؤه الطرق والأسواق. ٢ - أن الفجر الكاذب ساطع له بياض ونور، لكن بياضه ونوره يزول بالظلمة التي تعقبه، وتكون في أسفله مما يلي المشرق في الأفق. أما الفجر الصادق فإن نوره وبياضه يزداد وربما كان في نوره توريد بحمرة بديعة، خاصة إذا كانت السماء صافية، وقد تظهر هذه الحمرة كما لو كانت كدرًا وغالبًا ما يكون في أفق المشرق في موضع طلوع الشمس، وينتقل بانتقالها، وهو مقدمة ضوئها. ٣ - أن الفجر الكاذب له رأس مستدق إلى أعلى في السماء يشبه ذنب السرحان (الذئب) والفجر الصادق ليس كذلك.

1 / 21

٤ - أن الفجر الكاذب يتشكل في الفلك، وليس في الأفق القريب من الأرض، بخلاف الفجر الصادق؛ فإنه يتشكل في الأفق القريب. ٥ - أن الفجر الكاذب يؤثر فيه ضوء القمر، وفي ليالي وجود القمر جهة الشرق آخر الليل تصعب معرفته إلا على من لديه خبرة ودراية كافية بأوصافه وأحواله. أما الفجر الصادق فإن تأثير ضوء القمر عليه محدود وضعيف، حتى لو كان القمر في جهة الشرق آخر الليل. ٦ - أن الفجر الكاذب يخرج قبل الفجر الصادق بنحو ساعة، أو ساعة، إلا ربعًا، أو قريبًا من ذلك. بينما يكون خروج الفجر الصادق بعد الكاذب، وقبل طلوع الشمس بوقت محدود، يزيد هذا الوقت وينقص بمقدار معلوم حسب دورة الشتاء والصيف (١). وإذا تقررت هذه الفروق المهمة بين الفجرين الكاذب والصادق (الأول والثاني) فإن جميع الأحكام الشرعية المنوطة بطلوع الفجر إنما تتعلق بطلوع الفجر الصادق (الثاني)

(١) انظر في الفروق بين الفجرين: جامع البيان (٣/ ٢٥١، ٢٥٢) تفسير سورة البقرة لابن عثيمين (٢/ ٣٥٧) شرح النووي على صحيح مسلم (٣/ ١٦٣ - ١٦٧) بدائع الصنائع (١/ ١٢٢) بداية المجتهد (١/ ٢٤٠) التمهيد (٢/ ٩٩، ١٠٠) الحاوي الكبير (٢/ ٢٨، ٢٩) الشرح الممتع على زاد المستنقع (٢/ ١٠٧) المحلى (٢/ ٢٢٣، ٢٢٤) مشروع دراسة الشفق، المرحلة الأولى (١١ - ١٤).

1 / 22

باتفاق أهل العلم، وأما الفجر الكاذب (الأول) فلا يتعلق بطلوعه حكم شرعي، وقد نصت الأحاديث السابقة على هذا (١). ثالثًا: تحديد الفجر الصادق (ومقارنته بالتقاويم المتداولة): كان المسلمون على مدى أربعة عشر قرنًا مضت يعتمدون في تحديد وقت صلاة الفجر على الرؤية بالعين المجردة حيث لم يكن يوجد ما يشوش عليهم رؤية ضوء الفجر، ولكن بعد ظهور الكهرباء وانتشار الضوء الصناعي لم يعد بالإمكان تحديد وقت صلاة الفجر داخل المدن والقرى، مما اضطر الناس إلى الاستعانة بالتقاويم شيئًا فشيئًا حتى أصبح الاعتماد عليها في تحديد مواقيت الصلاة اعتمادًا كليًا (٢). ومعظم التقاويم المستخدمة حاليًا لم تبن على دراسات ميدانية، إنما بنيت على ما يعرف عند الفلكيين بالشفق الفلكي، الذي يبدأ في الظهور عندما تكون الشمس على (١٨)

(١) وسيأتي مزيد أدلة أثناء مسائل البحث إن شاء الله. وانظر في اتفاق أهل العلم على هذه المسألة: تفسير القرآن العظيم (١/ ٥٢٠) الجامع الصحيح (٣/ ٨٦) ابن بطال، شرح صحيح البخاري (٢/ ٢٥١، ٢٥٢) شرح النووي على صحيح مسلم (٣/ ١٦٣، ١٦٧)؛ بدائع الصنائع (١/ ١٢٢) المغني (٢/ ٣٠) المحلى (٢/ ٢٢٤). (٢) انظر: مشروع دراسة الشفق، المرحلة الأولى (٣٠).

1 / 23

درجة تحت الأفق، ورغم اتفاق الفلكيين على تعريف وتحديد أنواع الشفق، إلا أنه لا توجد دراسة فلكية علمية عملية مؤصلة تحدد الوقت الذي يبدأ أو ينتهي عنده الشفق (١). والشفق ينقسم عند الفلكيين إلى ثلاثة أقسام: الأول: الشفق المدني (civil twilight) ويحدث عندما يكون مركز الشمس تحت الأفق بست درجات قوسية قبل الشروق أو بعد الغروب؛ أي: أن الزاوية السمتية للشمس تساوي (٩٦ درجة). الثاني: الشفق البحري (Nautical Twilight)؛ ويحدث عندما يكون مركز الشمس تحت الأفق باثنتي عشرة درجة قوسية قبل الشروق أو بعد الغروب؛ أي: أن الزاوية السمتية للشمس تساوي (١٠٢ درجة). الثالث: الشفق الفلكي (Astronoomical Twilight) ويحدث عندما يكون مركز الشمس تحت الأفق بثماني عشرة درجة قوسية قبل الشروق أو بعد الغروب، أي: أن الزاوية السمتية للشمس تساوي (١٠٨ درجات) (٢). ويعتبر الشفق الفلكي أول إضاءة من جهة الشرق، بينما

(١) انظر: مشروع دراسة الشفق، المرحلة الأولى (٣٠) أوقات الصلاة في البلاد ذات خطوط العرض العالية (١٤). (٢) انظر: علم الفلك والتقاويم (٢٤٤، ٢٤٥) مشروع دراسة الشفق، المرحلة الأولى (٣١).

1 / 24