روح الثورات والثورة الفرنسية
روح الثورات والثورة الفرنسية
ژانرها
وأراد روبسپير أن يتخلص ممن لا يروقونه بسرعة فجعل المجلس يوافق على قانون شهر بريريال (الشهر التاسع من السنة الجمهورية) الذي يسمح بقتل الناس بالشبهات، والذي به قطع روبسپير في باريس وحدها 1373 رأسا في تسعة وأربعين يوما، وكف زملاؤه عن النوم في بيوتهم فرقا منه، وصار عدد من يحضر الجلسات من النواب لا يزيد على المئة.
وزيادة اعتماده على نفسه وعلى جبن أعضاء مجلس العهد أوجبت هلاكه، فلما أراد أن يحملهم على سن قانون يجوز سوق النواب إلى المحكمة الثورية ومنها إلى المقصلة من غير أن يأذن المجلس في ذلك ائتمر كثير من أعضاء حزب المونتانيار وحزب الپلين به ليسقطوه، فاتهمه تاليان، الذي أحس دنو أجله وأنه ليس لديه ما يخسره، بالبغي والطغيان، فأراد روبسپير أن يدافع عن نفسه فخنق صراخ المؤتمرين صوته فكفى لانتكاسه تكرير كثير من الأعضاء الحاضرين - بتأثير العدوى النفسية - كلمة «ليسقط الظالم»، وأمر المجلس باتهامه حالا.
ورأت الجمعية الثورية إنقاذه، ولكن مجلس العهد صرح بأنه لا يستحق حماية القانون، قال ويليم:
كان تأثير كلمة «عدم استحقاق حماية القانون» في الرجل الفرنسي كتأثير كلمة الوباء، فالذي كانت تقال فيه تلك الكلمة كان يحرم مدنيا ويعده الناس نجسا.
قطع رأس روبسپير في اليوم العاشر من شهر ترميدور (الشهر الحادي عشر من السنة الجمهورية)، وقطع معه رؤوس عصابته البالغ عددها 21 رجلا ومنهم سان جوست ورئيس المحكمة الثورية ورئيس البلدية، وقطع في غد ذلك اليوم رؤوس سبعين يعقوبيا، وقطع بعد يومين رؤوس 13 يعقوبيا، فانقضى بذلك دور الهول الذي دام عشرة أشهر.
وانهيار البنيان اليعقوبي في ذلك الشهر من الحوادث النفسية الغريبة التي وقعت أيام الثورة الفرنسية، ولم يخطر على قلب أحد من المونتانيار الذي أسقطوا روبسپير أن دور الهول سينتهي بسقوطه، نعم، قضى تاليان وباراس وفوشه وغيرهم على روبسپير كما قضوا سابقا على إيبرت ودانتون والجيرونديين وغيرهم، ولكنهم لما علموا أن الجماعة أرادت بهتافها لقتل روبسپير زوال دور الهول ساروا كأنهم يريدون ذلك، ثم إن حزب الپلين المؤلف من أكثرية المجلس والذي قتل روبسپير كثيرا من أعضائه ثار على ذلك الدور الذي هتف له زمنا طويلا على رغم مقته إياه، ولا أشد هولا ممن زال الخوف عنهم بعد استيلائه عليهم، فقد اضطهد حزب الپلين حزب المونتانيار وألقى في قلوب أعضائه الرعب انتقاما.
ولم يصدر تذلل زملاء روبسپير في مجلس العهد عن ميلهم إليه، ولكن هذا الحاكم المطلق أخافهم كثيرا، فكانوا يخفون حقدا شديدا خلف ما كانوا يظهرونه نحوه من الإعجاب والحماسة، ويظهر ذلك من مطالعة التقارير التي نشرها بعد قتله كثير من النواب في أعداد جريدة المونيتور الصادرة في 11 و15 و29 من أغسطس سنة 1794، فلم يشتم عبد سيده بعد سقوطه مثلما شتم روبسپير وعصابته في تلك التقارير، وقد جاء فيها: «أن أولئك الغيلان جددوا عهد مذابح ماريوس وسيلا»، وقد وصف روبسپير فيها بالعاتي الذي كان يبحث عن سلامة نفسه في قتل الناس بالشبهات، والذي كان لا يحجم عن أن يأمر - مثل كاليغولا - الشعب الفرنسي بأن يعبد حصانه لو وجد إلى ذلك سبيلا.
إلا أنه فات هذه التقارير أن تذكر أن سلطة روبسپير لم تستند إلى جيش قوي كسلطة ماريوس وسيلا التي أشير إليها؛ بل إلى سكوت مجلس العهد عنه، فلولا جبن أعضاء هذا المجلس ما استمرت سلطة روبسپير يوما واحدا.
حقا إن روبسپير من جبابرة التاريخ، ولكنه كان جبارا بلا جنود، ويمكن تلخيص مبادئه في أنه كان مشبعا، أكثر من كل إنسان، من العقيدة اليعقوبية على رغم منطقها الضيق وتصوفها الشديد، ولا نزال نرى مادحين له، فقد نعته مسيو هاميل بالشهيد، واقترح أن يقام له تمثال، وإني لأشترك في ثمنه مختارا؛ لأنني أعد الآثار الدالة على عمى الجماعات وعلى تذلل المجالس أمام زعيم يعرف كيف يقودها لا تخلو من فائدة، فسوف يذكرنا تمثال روبسپير بهتاف الإعجاب والحماسة الذي أتاه مجلس العهد نحو التدابير التي كان يهدده بها. (4) فوكيه تنفيل، دوما، بيوفارين، مارا
إن ذكرى النائب العام في المحكمة الثورية، فوكيه تنفيل، من أشد الذكريات شؤما، وقد أوردت غير مرة ذكر هذا النائب، الذي اشتهر في بدء الأمر بحلمه ثم أصبح سفاكا تشمئز منه النفوس، لأبين ما يطرأ على بعض الأخلاق من التحولات أيام الثورة، فقد كان فوكيه تنفيل أيام سقوط الملكية فقيرا منتظرا كل شيء من نشوب ثورة اجتماعية ليس عنده ما يخسره فيها، فلما جاء مجلس العهد قلده مقاليد أموره، فأصبح في يده مصير ألفي متهم، منهم الملكة ماري أنتوانيت والجيرونديون ودانتون وإيبرت وغيرهم، وكان يقصل رقاب جميع المتهمين المرفوعة أسماؤهم إليه، وعندما تزول سلطة أحد حماته السابقين، ككاميل ديمولان أو دانتون أو غيرهما، يطلب قتلهم من غير تردد.
صفحه نامشخص