روح الثورات والثورة الفرنسية
روح الثورات والثورة الفرنسية
ژانرها
ومع أنه لم يقتل في المعركة سوى ثلاثمئة فرنسي ومئتي بروسي فإنها كانت ذات نتائج عظيمة؛ لأن رد جيش اشتهر باستحالة قهره أورث قلوب الكتائب الثورية الفتية شجاعة كبيرة، فأخذت هذه الكتائب تهاجم العدو على طول الجبهة، ولم تمض بضعة أسابيع حتى طرد جنود فالمي النمسويين من بلجيكة، فاستقبلهم الناس فيها كمنقذين.
وقد اتسع نطاق الحرب كثيرا أيام مجلس العهد، ونشأ عن ضم مجلس العهد بلاد بلجيكة إلى فرنسة، في سنة 1793، حرب ضد إنكلترة استمرت اثنتين وعشرين سنة.
اجتمع مندوبو إنكلترة وپروسية والنمسة في أنڤرس، وتعاهدوا على تقسيم فرنسة على أن تنال پروسية مقاطعة ألزاس ومقاطعة لورين وأن تنال النمسة مقاطعة فلاندر ومقاطعة أرتوا وأن تنال إنكلترة مرفأ دنكرك، وقد اقترح سفير النمسة أن تقمع الثورة الفرنسية بالإرهاب «وباستئصال شأفة قادة الأمة الفرنسية»، وهذا ما اضطر فرنسة إلى أن تحارب من سنة 1793 إلى سنة 1797 على طول ثغورها ، أي من جبال البرانس حتى الشمال.
وقد أضاعت فرنسة في البداءة فتوحاتها السابقة، وحلت بها نوازل كثيرة؛ فاستولى الإسپان على مدينة بيربنيان ومدينة بايون، واستولى الإنكليز على مدينة طولون، واستولى النمسويون على مدينة ڤلنسيان؛ فاضطر مجلس العهد سنة 1793 إلى الأمر بتجنيد كل فرنسي تترجح سنه بين الثامنة عشرة والأربعين، وساق إلى الحدود تسعة جيوش مؤلفة من 750000 جندي تقريبا، وقد مزجت كتائب الجيش الملكي السابقة بكتائب المتطوعين وكتائب المجندين.
انكسر الحلفاء ورفع الحصار عن موبوج بعد انتصار المارشال جوردان في فاتيني، ثم أنقذ أوش مقاطعة لورين فأخذت فرنسة تهاجم فاستردت بلجيكة وضفة الرين اليسرى، ثم كسر المارشال جوردان النمسويين في فلوروس ورماهم خلف الرين مستوليا على كلونيا وكوبلنز، واحتل هولندة، فاضطر ملوك الحلفاء إلى طلب الصلح معترفين لفرنسة بفتوحاتها.
ومن دواعي انتصار فرنسة أن أعداءنا لم يعيروا قضيتنا ما تستحقه من الاهتمام، فكانوا منهمكين في تقسيم پولونية منذ سنة 1793 حتى سنة 1795، وكان كل منهم يريد أن يحضر القسمة لينال أكثر من غيره، وهكذا استفدنا كثيرا من تردد الحلفاء وسوء ظن بعضهم ببعض، ولو زحف النمسويون في صيف سنة 1793 على باريس لكنا كما قال القائد تيابول: «خسرنا مئة وربحنا واحدا، فهم الذين أنقذونا بمنحهم إيانا وقتا كافيا لجمع الجنود واختيار الضباط والقواد.»
ولم يبق لنا بعد معاهدة بال عدو ذو شأن في أوربة سوى النمسة، فساقت حكومة الديركتوار جيشا إلى مقاطعة ميلانه الإيطالية التابعة للنمسة، وفوضت إلى بوناپارت أن يهاجمها، وقد أكره بوناپارت دولة النمسة على طلب الصلح من فرنسة، وذلك بعد وقائع دامت حولا كاملا، أي من شهر أبريل سنة 1796 إلى شهر أبريل سنة 1797. (3) العوامل النفسية والعوامل الحربية التي أوجبت انتصار جيوش الثورة الفرنسية
يجب - لإدراك السبب في انتصار جيوش الثورة الفرنسية - أن نذكر مقدار ما كان عند جنودها الحفاة العراة من الحماسة الشديدة ومن الصبر على المكاره ومن إنكار النفس، فهم لما أشبعوا من المبادئ الثورية شعروا بأنهم رسل دين جديد أوحي به لتجديد العالم، وقد منحهم إيمانهم بطولة وبسالة لم تزعزعهما قارعة، فأنقذوا الوطن من العدو وصاروا يحاربونه حرب استيلاء يوم حلت حكومة الديركتوار محل مجلس العهد ولم يبق في فرنسة جمهوريون سوى الجنود، ويذكرنا تاريخهم بتاريخ قبائل جزيرة العرب التي آمنت بما جاء به محمد؛ فتحولت إلى جيوش مخيفة فتحت جزءا كبيرا من العالم الروماني القديم بأسرع ما يمكن.
استقبل كثير من البلاد المحتلة غزاة فرنسة كمحررين لها، فقد أهرع سكان سافوا إلى رؤية الجنود الفرنسيين، واستقبل الناس في مايانس هؤلاء الجنود بحماسة، وغرسوا أشجار الحرية، وأسسوا مجلس عهد شبيه بمجلس باريس.
وكلما كانت جيوش الثورة الفرنسية تصطدم بأمم أذلها الملوك المستبدون ولم يكن لها خيال تذب عنه كان النصر يحالفها، ولكن النصر كان يتعذر عليها عند اصطدامها بأناس أولي خيال وثيق كخيالها، فخيال الحرية والمساواة القادر على استمالة الشعوب العاطلة من العقائد المتينة والرازحة تحت استبداد أمرائها لا يؤثر بحكم الطبيعة في أناس ذوي خيال قوي رسخ في نفوسهم منذ عهد طويل، وبهذا ندرك سر محاربة سكان بريتانيه وڤانده، الذين كانوا ذوي مشاعر دينية وملكية متأصلة فيهم، جيوش الجمهورية وانتصارهم عليها سنين كثيرة، وقد عمت فتن هاتين المقاطعتين عشر مديريات فجمعتا 80000 مقاتل.
صفحه نامشخص