روح الثورات والثورة الفرنسية
روح الثورات والثورة الفرنسية
ژانرها
عظمت شوكة الشعب وأصبح الملك قبضته، أي تحت رحمة الأندية وزعمائها، ودامت هذه الشوكة الشعبية عشر سنين فكانت ركن الثورة الفرنسية الركين.
وعلى رغم إعلان المجلس التأسيسي مبدأ سيادة الشعب جاوزت الفتن الشعبية حد ظنونه فرأى أنه، بوضعه دستورا يضمن للناس سعادة أبدية، يعود الجميع إلى النظام.
كان سن القوانين ثم نقضها ثم تجديدها شغل المجالس أيام تلك الثورة، وكان ذلك ناشئا عن اعتقاد أعضاء هذه المجالس أن القوانين قادرة على تحويل المجتمعات، ومن هذه القوانين البلاغ الذي نشره المجلس التأسيسي ولخص فيه مبادئه في حقوق الإنسان ريثما يضع دستور البلاد.
ولم يؤثر الدستور والبلاغات والخطب في الفتن الشعبية، وقد عانى المجلس التأسيسي الذي دب الشقاق فيه استبداد الحزب المتطرف المستند إلى الأندية، فقد كان أصحاب النفوذ من الزعماء - كدانتون وكامبل ديمولان ومارا وإيبر - يهيجون الرعاع بخطبهم وجرائدهم فيتسلطون بذلك على المجلس التأسيسي.
ولم تتحسن مالية البلاد في أثناء هذه الفتن، فأمر المجلس التأسيسي في 2 من نوفمبر سنة 1789 أن يعالجها بالاستيلاء على أملاك الكنيسة، وقدرت محاصيل هذه الأملاك والزكاة التي كانت تأخذها الكنيسة من المؤمنين بمبلغ مئتي مليون وقدر ثمنها بمبلغ ثلاثة مليارات، وكانت محاصيل هذه الأملاك توزع على بضع مئات من الأساقفة وإكليروس البلاط، فجعلت هذه الأملاك - التي سميت فيما بعد الأملاك الوطنية - ضمانا للأوراق النقدية، وصدر في المرة الأولى من هذه الأوراق أربعمئة مليون فأقبل عليها الجمهور في البداءة، ولكن مقدارها زيد في دور العهد ودور الديركتوار فبلغ 45 مليارا فأصبحت ورقة الليرة لا تساوي سوى بضعة سنتيمات.
ولويس السادس عشر الضعيف أغرته حاشيته فحاول، عبثا، ألا يوافق على قرارات المجلس التأسيسي، وتألفت في المدن والقرى بلديات ثورية يخفرها حرس وطني محلي، وكانت المدن المجاورة تتفق على الدفاع عن نفسها عند الحاجة، وأرسلت هذه المدن في 14 من يوليه سنة 1790، حرسا وطنيا مؤلفا من 14000 رجل إلى حي شاندومارس في باريس حيث أقسم الملك يمين الإخلاص للدستور الذي سنه المجلس الوطني.
وعلى رغم هذه اليمين تعذر الائتلاف بين مبادئ الملكية الوراثية والمبادئ التي أعلنها المجلس، فالتجأ الملك إلى الفرار، فقبض عليه في فارين، وسيق إلى باريس أسيرا، فأسكن قصر التويلري، ومنع من التصرف في سلطته، وأخذ المجلس التأسيسي على عاتقه القيام بأمور الحكومة، وما وجد ملك في موقف حرج كموقف لويس السادس عشر، الذي تخلى الجيش عنه بعد فراره، ولو كان له دهاء ريشليو ما كفاه لخروجه من هذا المأزق.
لا شك في أن أكثرية الأمة الفرنسية كانت ملكية أيام المجلس التأسيسي الذي هو ملكي أيضا، وكان من المحتمل أن يظل الملك قابضا على زمام الحكم لو رضي بنظام ملكي دستوري، ولم يكن عليه إلا أن يأتي بعمل قليل ليتفاهم هو والمجلس، ولكن هذا العمل كان يتعذر على رجل مثله، ولو رضي بتعديل النظام الملكي الذي انتقل إليه عن الآباء لانتصبت أمامه أشباح أجداده وحالت دون هذا، أضف إلى هذا أنه كان يستحيل عليه أن يتغلب على أسرته وعلى الإكليروس والأشراف والبطانة، أي على الطبقات التي استند إليها النظام الملكي والتي كانت ذات قوة تضاهي قوة الملك تقريبا، والقوة هي التي كانت تكره الملك على الإذعان، واستغاثته بالأجنبي تدلنا على أن اليأس بلغ فيه منتهاه حينما رأى تداعي أركانه الطبيعية كلها.
ولما رأى زعماء الأندية أن المجلس التأسيسي ملكي من كل وجه سلطوا عليه الشعب الذي لم يلبث أن طلب منه أن يجمع مجلسا جديدا ليحاكم لويس السادس عشر، وعزم المجلس التأسيسي على الدفاع حيال ذلك، فساق - بقيادة لافايت - كتيبة من الحرس الوطني إلى حي شاندومارس لتشتيت الجماعة المحتشدة هناك.
إلا أن المجلس التأسيسي لم يصر على المقاومة طويلا، فقد نشأ عن شدة جبنه أمام الشعب انتزاعه كل يوم شيئا من امتيازات الملك وسلطته، حتى صار الملك موظفا بسيطا.
صفحه نامشخص