روح الثورات والثورة الفرنسية
روح الثورات والثورة الفرنسية
ژانرها
المجلس السياسي الكبير، كالبرلمان، جماعة، ويكون فعل هذه الجماعة قليلا حينما تتناقض مشاعر أحزابها، وقد تعتبر هذه الأحزاب ذات المنافع المختلفة مجلسا ذا جماعات متباينة خاضعة لزعمائها، وحينئذ لا يتجلى ناموس الوحدة النفسية للجماعات إلا في كل حزب على حدته، والأحوال الاستثنائية وحدها هي التي تجمع بين عزائم تلك الأحزاب.
ولكل من أحزاب المجلس كيان يفنى فيه رجاله، فيستصوبون في المجلس ما لا يعتقدونه وما لا يريدونه، فقد أبدى فرنيو استياءه من اقتراح الحكم بالموت على لويس السادس عشر، ولكنه استحسن ذلك الاقتراح في اليوم التالي.
ويستطيع ذوو النفوذ من الزعماء أن يؤثروا ، أحيانا، في أحزاب المجلس كلها، فيؤلفوا منها جماعة واحدة، ومن ذلك تأثير عدد قليل من الزعماء في أعضاء مجلس العهد وجعلهم يأتون أعمالا تناقض آراءهم.
أذعنت الجماعات في كل زمن للزعماء الأشداء، فأثبت لنا تاريخ المجالس الثورية مقدار خوف هذه المجالس من زعماء الفتن مع سلقها الملوك بألسنة حداد، فكانت تستحسن في جلسة واحدة أكثر الأمور مناقضة للمعقول خشية من الزعماء الجبارين.
وعندما يكسب المجلس صفات الجماعة يصبح مثلها ذا مشاعر متطرفة، أي إنه قد يصير مسرفا في قوته كما أنه قد يصير مسرفا في جبنه، ويكون عاتيا أمام الضعفاء ذليلا أمام الأقوياء.
فكل يعلم درجة الخوف الذي استحوذ على البرلمان وقتما دخل عليه الشاب لويس الرابع عشر والسوط بيده، ليلقي خطبته، وكل يعلم درجة الوقاحة التي أتاها المجلس التأسيسي تجاه لويس السادس عشر حينما كان هذا الملك يشعر بضعفه، وليس ذعر مجلس العهد من روبسپير بأمر مجهول.
صفات تلك المجالس سنة عامة، فمن الخطأ العظيم أن يدعو الملك - عندما تهن قوته - مجلسا للاجتماع، فقد أدى اجتماع مجلس النواب إلى إعدام لويس السادس عشر، وفقد هنري الثالث عرشه عندما غادر باريس وجمع مجلسا نيابيا في بلوا، فعندما شعر هذا المجلس بضعف الملك عد نفسه سيدا فغير الضرائب وعزل الموظفين وادعى أن لقراراته ما للقانون من القوة.
وشوهد غلو المشاعر في مجالس الثورة الفرنسية كلها، فبعد أن انتحل المجلس التأسيسي السيادة بالتدريج أعلن أنه هو الحاكم، واعتبر لويس السادس عشر موظفا بسيطا، ثم جاء مجلس العهد فكان في بدء الأمر معتدلا، ثم أفرط في إظهار سلطانه فسن قانونا حرم به المتهمين حق الدفاع عن أنفسهم وأجاز الحكم عليهم بالشبهات، وقد أدى إمعانه في سفك الدماء إلى اقتتال أعضائه فقتل الجلاد الجيرونديين ثم الإيبريين ثم الدانتونيين ثم الروبسپيريين.
وسرعة التقلب في مشاعر المجالس توضح لنا علة إتيانها نتائج مخالفة لمقاصدها، فقد ساق المجلس التأسيسي المؤلف من الحزب الكاثوليكي والحزب الملكي فرنسة إلى جمهورية مستبدة بدلا من الملكية الدستورية التي كان يريد إقامتها ، كما ساقها إلى اضطهاد الإكليروس بدلا من إعلاء شأن الديانة التي كان يود الدفاع عنها. (2) روح الأندية السياسية
تختلف الجمعيات الصغيرة، ذات الآراء والمعتقدات والمنافع الواحدة، عن المجالس الكبيرة بوحدة مشاعرها وعزائمها، ومن هذه الجمعيات الصغيرة نذكر المجالس الدينية وطوائف المحترفين في العهد السابق والأندية أيام الثورة الفرنسية والجمعيات السرية في النصف الأول من القرن التاسع عشر ومحافل الماسون ونقابات العمال في الوقت الحاضر.
صفحه نامشخص