روح الثورات والثورة الفرنسية
روح الثورات والثورة الفرنسية
ژانرها
ولا يعرف الخطباء غير هذه الجماعات المشاغبة الضارة التي هي آلة كل عصيان منذ القديم والمؤلفة من الرعاع الذين قال تيار عنهم: «إنهم لم يتغير منهم شيء منذ الأزمنة التي رآهم فيها ناسيت يصفقون لجرائم القياصرة، وإنهم يتأهبون لتدنيس المجتمعات باقترافهم أنواع الجرائم مجيبين نداء كل سلطة لوصم كل مبدأ».
لم يمتد شأن الرعاع في دور امتداده أيام الثورة الفرنسية، فمنذ تفلتوا من قيدهم سنة 1789، أي قبل دور العهد بقليل، أخذوا في ذبح الناس، وقد شرحوا المسجونين وهم أحياء، ومثلوا بهم؛ لتمتد آلامهم ويتسلى الحضور باضطرابهم ونواحهم.
هكذا يسير الرعاع عندما تقضي الأيدي الغافلة على الزواجر الرادعة لغرائزهم المتوحشة المنتقلة إليهم بالوراثة، فلو تكاثف هؤلاء الرعاع طرفة عين؛ لظهر هذا الجسم غولا طاغيا قليل العقل سفاكا للدماء.
على أنه يسهل التغلب على هؤلاء الرعاع عندما يقف في وجههم جبار عنيد، فقد أعانوا كل استبداد، وأيقن القياصرة أنهم يصفقون لهم سواء أكاليغولا كان اسمهم أم نيرون أم روبسپير أم بولانجه.
وبجانب هذه الزمر المخربة ذات الشأن الكبير في الثورات نذكر فريق الأمة الذي لا يصبوا إلا إلى الجد والعمل كما بينا ذلك سابقا، فهذا الفريق، وإن كان يستفيد أحيانا من الثورات، لا يفكر في القيام بها، ولا يعلم رجال الثورة من أمره إلا قليلا.
نعم، قد يجعله الخوف مطيعا فيقوده الزعماء بنفوذهم إلى اقتراف المظالم، ولكن مقومات الأمة الوراثية لم تلبث أن يثقل ميزانها فيضجر ذلك الفريق من الثورات فتدفعه روح الأمة الثابتة إلى الوقوف أمام الفوضى عندما تستفحل باحثا عن رئيس قادر على إعادة النظام.
وليس لهذا الفريق الهادئ مبادئ سياسية سامية أو غامضة ألبتة، فغايته أن يسود الحكم المطلق؛ ولذا قام هذا الحكم بعد الفوضى على الدوام، فقد عقب الحكم المطلق الثورة الأولى عندما هتف لناپليون، وقد عقب الثورة الثانية عندما رفع الانتخاب العام لويس ناپليون إلى رئاسة الجمهورية وأقره على استبداده بالحكم، ثم جعله إمبراطورا، ثم استصوب نظامه سنة 1870، أي قبيل الحرب الفرنسية الپروسية.
وجب أن لا تغيب الحوادث التي أشرنا إليها في هذا الفصل عن بالنا إذا أردنا الاطلاع على شأن الأمة في الثورات، فللأمة شأن كبير فيها، ولكنه يختلف عما جاء في الأقاصيص.
الباب الثاني
النفسية التي تسود الثورات
صفحه نامشخص