روح الثورات والثورة الفرنسية
روح الثورات والثورة الفرنسية
ژانرها
ولا تتم الثورة بغير معاضدة الجيش أو بمحايدته على الأقل، بيد أنها تبدأ في الغالب من غير أن يتدخل، ذلك كما حدث في ثورة سنة 1830 وثورة سنة 1848 وثورة سنة 1870 التي قضت على الإمبراطورية حينما شعر الناس في فرنسة بالعار الذي أصابهم من استيلاء الألمان على مدينة سيدان.
وتقع أكثر الثورات في العواصم، ومنها تسري بالعدوى إلى البلاد جميعها، وليس ذلك قاعدة ثابتة، فقد ثار أهل ڤانده وبريتانية والجنوب على باريس أيام الثورة الفرنسية الكبرى كما هو معلوم. (2) كيف تؤدي مقاومة الحكومات إلى انتصارها على الثورات
ظهر لنا من أكثر الثورات التي ذكرناها أن الحكومات الضعيفة تنهار عندما تمس، غير أن الثورة الروسية السابقة أثبتت لنا إمكان انتصار الحكومة التي تعرف كيف تدافع عن نفسها.
لم تحدث ثورة أكثر خطرا على حكومة من هذه الثورة، فبعدما غلبت روسية في الشرق الأقصى وشعر الناس بشدة النظام الاستبدادي تمردت فيها الطبقات الاجتماعية، ومنها جزء من الجيش والأسطول، وأضرب موظفو الخطوط الحديدية والبريد والبرق عن العمل فانقطعت وسائل النقل والمراسلة في تلك الإمبراطورية العظمى.
ثم أخذت الدعوة الثورية تشيع بين طبقة الفلاحين الذين هم معظم الأمة الروسية، وقد كان هؤلاء يعيشون عيشة بؤس وشقاء لإكراههم - كما يقتضيه نظام مير - على الفلاحة من غير أن تكون الغلة لهم فعزمت الحكومة على استمالتهم بتحويلهم إلى ملاك، فوضعت قوانين أكرهت بها سادتهم على بيعهم جزءا من أراضيهم، ثم أنشأت مصارف لتقرضهم مالا يؤدون به ثمن ما يشترون على أن يدفعوا ديونهم إلى تلك المصارف أقساطا سنوية من المحاصيل.
وبعدما استمالت الحكومة الروسية الفلاحين على هذا الوجه استطاعت أن تقاتل - من غير رحمة - العصاة المتمردين الذين كانوا يحرقون المدن ويلقون القنابل بين الجماعات فأبادت من قبضت عليهم منهم سائرة على السنة الضرورية لحفظ المجتمع من الثائرين الذين يريدون نقضه.
ثم رأت الحكومة الروسية التي خرجت من هذه المعامع ظافرة أن تجيب فريق الأمة المهذب إلى مطاليبه الحقة فأنشأت مجلسا اشتراعيا يسن القوانين ويرقب النفقات.
يثبت لنا تاريخ الثورة الروسية كيف أن حكومة تداعت أركانها الطبيعية استطاعت أن تتغلب على أشد الصعوبات بثباتها ودرايتها، فلقد أصاب من قال: «إن الحكومات لا تقلب بل تنتحر». (3) ثورات الحكومات، مثال تركية والصين
الحكومات تقاوم الثورات عادة ولا تقوم بها، غير أن هنالك حكومات قامت بإصلاحات فجائية من فصيلة الثورات، وما اتصفت به الروح القومية في البلاد من الثبات أو التقلب يوضح لنا سر نجاح هذه الحكومات أو حبوطها في ذلك.
فالحكومة تنجح عندما تكون الأمة التي ترغب أن تكرهها على أنظمة جديدة مؤلفة من قبائل وحشية خالية من القوانين الثابتة والتقاليد الراسخة، أي من روح قومية قوية، ومن أمثلة ذلك روسية أيام بطرس الأكبر الذي حاول أن يفرنج الروس، واليابان مثال آخر للثورات التي قامت بها الحكومات، ولكن طرق اليابان الفنية هي التي تغيرت، لا روحها القومية.
صفحه نامشخص