رسم المصحف وضبطه بين التوقيف والاصطلاحات الحديثة
رسم المصحف وضبطه بين التوقيف والاصطلاحات الحديثة
ناشر
دار السلام للطباعة والنشر
شماره نسخه
الثانية
ژانرها
ولم يلحق الرسول ﷺ بالرفيق الأعلى إلا والقرآن كله محفوظ في صدره وبعض الصحابة ﵃ ومكتوب في السطور، حسب الطريقة التي أشرنا إليها، غير أنه لم يكن مجموعا في موضع واحد، ولا مرتبَ السور، ولكن الصحابة ﵃ كانوا يعرفون ترتيبها حسبما بين لهم رسول الله ﷺ.
ولعل الحكمة في ذلك هي: أن القرآن كان لا يزال ينزل على رسول الله ﷺ إلى ما قبل وفاته بأيام، وكانت هناك آيات تنزل بنسخ بعض الآيات الأخرى، فلو أمر ﷺ بجمعه وترتيبه، لأدى ذلك إلى الاختلاف والاختلاط فحفظه الله تعالى في القلوب إلى انقضاء زمن النسخ، حتى جمع في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق -رضي الله عنه١.
ولما كثرت الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفة الثالث "عثمان بن عفان" ﵁ وكان أهل كل بلد يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، وكانوا حينما يلتقون في بعض المجامع ينكر بعضهم على بعض ما يسمعونه من وجوه القراءات التي لم يتلقوها، وكادت تحدث فتنة، فتدارك "عثمان" هذا الأمر، وأمر بنسخ مصاحف متعددة من المصحف الذي جمع في عهد الخليفة الأول "أبي بكر" ﵁ وأرسل هذه المصاحف إلى الأمصار المختلفة.
وقد كتبت هذه المصاحف بطريقة تخالف الرسم الإملائي في بعض الكلمات كما سنبين ذلك -إن شاء الله تعالى- فأطلق على هذا الرسم "الرسم العثماني" نسبة إلى "عثمان بن عفان" ﵁.
ولما كثر الداخلون في الإسلام -من غير العرب- في عهد معاوية بن أبي سفيان" ﵁ وتفشى اللحن في الكلام العربي، وخشي أن يتطرق اللحن إلى القرآن الكريم، اقتضى الأمر وضع علامات تساعد على النطق السليم، دون المساس بالرسم العثماني، وأطلق على هذه العلامات: نقط الإعراب ونقط الإعجام -كما سيأتي.
وأدخل على هذه العلامات بعض التحسينات حتى وصلت إلى ما هي عليه
_________
١ انظر: صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن.
1 / 7