وبالنسبة إلى لوك أيضا، لا بد أن المساواة الطبيعية بين البشر في حالتهم الأصلية، «التي تكون فيها السلطات والنفوذ كلها متبادلة» (الأطروحة الثانية عن الحكومة، الفصل الثاني)، هي التي جعلت حيازة الممتلكات غير مؤكدة وغير مأمونة. فلا يمكن، بحسب فرضيته، حماية الملكية الخاصة وضمان حقنا الطبيعي فيها إلا في المجتمع المدني حيث تقوم بحمايتها دوما سلطة أعلى مكلفة بالعناية بها. وبينما كان تركيز هوبز الأساسي البعد السياسي للسلام، وبوفندورف الحاجة الجمعية للأمن، ولوك الحماية المدنية للملكية، بدا أن الكتاب الثلاثة متفقون على أن الأفراد كانوا بفطرتهم عاجزين عن الاستمرار في الحياة في غياب الحكومة، ومن ثم لا بد دوما من خلق سلطة حاكمة للحد من الأخطار التي تصاحب المساواة المطلقة بين البشر.
كانت رؤية روسو لأصول اللامساواة في «الخطاب» الثاني على الأقل موجهة جزئيا لمعارضة هذه المزاعم. ففي رأيه، لا بد أن السلطات العليا التي تخيلها هوبز وبوفندورف ولوك عززت من الاختلافات التي تفرق الناس بعضهم عن بعض، ولم تتجاوز مثل هذه الاختلافات. لقد اعتقد روسو أنه يستحيل أن يكتشف المرء من أعمال أي من هؤلاء أو غيرهم من المفكرين السياسيين لماذا كان ينبغي على البشر في حالتهم الطبيعية التماس الحماية من جيرانهم، لكنه اعتقد أن أفكارهم مجتمعة فسرت مع ذلك كيف اعتبر البشر هذه العلاقات المحددة والثابتة التي تشكل الاختلافات فيما بينهم شرعية في المجتمع الفاسد. وبحسب روسو، تحديدا في مواجهة هوبز، صحيح أن البشر لا بد أنهم استحدثوا كل التزاماتهم الاجتماعية من أجل حماية حياتهم وممتلكاتهم، ولكن ما دام أنه من الممكن أنهم لم يكونوا في حالة حرب، أو أنهم حازوا أي ممتلكات، أو كانت لديهم أي طموحات للهيمنة أو أي سبب يدعو الواحد منهم للخوف من الآخر، في حالتهم الطبيعية، فقد كان من غير المتصور أن يشعروا أصلا بالحاجة إلى مثل هذا الأمن (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). كان من الممكن ألا تنطوي الحالة الطبيعية على عوامل داخلية تقصي من يعيشون تحت مظلتها خارجها، ولم تكن مشاعر الحسد أو الريبة التي تجعل الناس يخشون على أمانهم أو يهابون خسارة ممتلكاتهم، في رأيه، ملائمة ببساطة للبشر الذين كانوا يعيشون وحدهم راضين.
في «خطاب عن اللامساواة» أقر روسو بأن فكرة الملكية الخاصة لا بد أنها شكلت المبدأ «الأكثر» جوهرية للالتزام ضمن مجتمع ما، وعلى الرغم من أنه من المستبعد أصلا أن يصوغ الهمج مبادئ من أي نوع، أصر روسو على أن مثل هذه الفكرة لا بد أنها قد نشأت في فترة ما بعد أن شرعوا في الاستقرار في مجتمعات. أخطأ بوفندورف عندما افترض أن النزعة الاجتماعية الطبيعية للبشر لا بد أنها دفعتهم إلى العيش معا، بما أن المجتمع نفسه غير طبيعي ويعول على مفردات رمزية متفق عليها، أي لغة، وهي التي تجعل إطار الخطاب المفهوم المشترك ممكنا. لكن اللغة بدورها لم يكن يمكن أن تنشأ دون مجتمع موجود مسبقا قام بتشكيلها وأعطاها معنى مقبولا عموما للألفاظ المفردة. وفي ظل حاجة اللغة إلى مجتمع بنفس قدر حاجة المجتمع إلى لغة، انتهى روسو - في فقرة تتناول أصول اللغة الموجهة فوق كل شيء للفلسفة اللغوية لكوندياك - إلى أنه يعجز عن إثبات أيهما سبق الآخر (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى).
في رأي روسو، توصل كوندياك، في عمله «مقالة عن المعرفة البشرية» الصادر عام 1746، بشكل صحيح إلى أنه من غير الممكن أنه كانت هناك لغات قائمة على المنطق في الحالة البدائية للبشرية، أيا كانت الوسيلة التي تشكلت بها، ما دامت المهارة اللغوية يمكن اكتسابها وحسب بمجهود كبير في غضون فترة تدريب طويلة. أدرك كوندياك، وكذا روسو، أن اللغات البدائية للبشر لا بد أنها كانت مجرد صرخات طبيعية (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى؛ مقالة عن المعرفة البشرية، الجزء الأول، القسم الثاني). ولكن على العكس من روسو، تخيل كوندياك أن هذه التعبيرات العفوية كانت رموزا بدائية للفكر، تمثل الترابط البدائي للأفكار لدى أسلافنا؛ لأنه حتى في أقدم العصور لا بد أن استخدامهم للرموز اللغوية الاعتباطية كان يشير إلى شيء آخر بخلاف اللغة. في «خطاب عن اللامساواة» عارض روسو هذه الأطروحة زاعما أن الأفراد في حالتهم الطبيعية لم يكونوا ليشرعوا في تصور أفكار دون لغة، تماما كما لم يكن باستطاعتهم إقامة مجتمع دون لغة (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). زعم روسو أن الهمج كانوا بحاجة إلى خبرة في التاريخ الطبيعي والميتافيزيقا لكي يفهموا المعاني العامة للاصطلاحات التي تقتضيها حتى أكثر الرموز اللغوية بدائية (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى)، بما أن اللغة لا تمثل الأفكار والصور وحسب، بل تبين وتشكل جزءا أساسيا منها، إذ لا تمتلك وضعا مستقلا خاصا بها.
في غياب المجتمع واللغة في أكثر حالاتنا همجية، كان تأسيس حق الملكية، بوصفه الذي أشار إليه لوك، مستحيلا أيضا هناك. فلم يكن من الممكن أن يعبر الرجال والنساء عن ادعاءاتهم الخاصة بالملكية أو يفهموها حتى توضع أولا القواعد اللغوية للحياة الاجتماعية؛ لأنه دون شكل ما من اللغة لم يكن ليتشكل لدى الأفراد تصور عما ينضوي تحت ملكيتهم تحديدا، ولما كان باستطاعتهم احترام أي شيء يملكه الآخرون. وحقيقة الأمر أن تأسيس الملكية الخاصة، بحسب اعتقاد روسو، لا بد أنه اعتمد على مجموعة متنوعة كاملة من الأعراف والممارسات التي تطورت على مدار التاريخ البشري. ولم يتطلب لغة وحسب، بل صناعة وأعمالا وتطورا وتنويرا بحيث شكل فعليا ما أطلق عليه «الحد الأخير في الحالة الطبيعية»، والحد الأول لنشأة المجتمع المدني (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى).
لكن إذا كانت فكرة امتلاك حق حصري في حيازة بعض الأراضي لم يكن من الممكن اكتسابها إلا بعد أن شرع البشر في إقامة علاقات ثابتة بعضهم مع بعض، فما زال من المهم لروسو أنه من الواجب علينا إدراك أن التأسيس الذي تم استنادا إلى هذه الفكرة يعتبر محوريا في جميع العلاقات الاجتماعية اللاحقة. لاحظ روسو أن «الإنسان الأول الذي سور قطعة أرض، وفكر في عبارة «هي ملكي»، ووجد من البسطاء من يصدقونه ... كان مؤسس المجتمع المدني الحقيقي.» إن هذا المدعي، السلف الهمجي لجنسنا البشري المستلهم من بلاغة لوك البارعة، زج بالبشرية إلى التبعية الاجتماعية، طامسا الحقيقة، التي أقرها لوك نفسه قبل أن يطرح قضيته المتعلقة بالملكية الخاصة، التي مفادها أن «ثمار الأرض لنا جميعا، والأرض نفسها ليست ملكا لأحد» (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). لو كان المجتمع المدني قد تشكل من الأساس لتبرير علاقات الملكية البشرية، فلا بد إذن أن «هذه العلاقات»، علاوة على ذلك، هي التي أشعلت أتون الحرب. ولا بد أن الأراضي أمست شحيحة من خلال الاستئثار الفردي والميراث، بينما لا بد أنه كانت هناك زيادة في عدد السكان؛ مما أفضى إلى حالات اغتصاب للأراضي من قبل الأثرياء، وسرقة من قبل الفقراء، وأهواء لا كابح لها من قبل الطرفين (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). ولذا، كما أخطأ لوك في افتراضه أن البشر كان بإمكانهم تأسيس حقوق إقليمية للاستخدام والحيازة الحصريين قبل أن يقيموا أي مؤسسات اجتماعية، أخفق هوبز في إدراك أن علاقات الملكية التي أقامها البشر في مجتمعاتهم لا بد أنها كانت السبب الرئيسي في اندلاع الحرب، بحسب زعم روسو (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). وبما أن البشر كان من الممكن أن يضر بعضهم بعضا فقط بعد أن يقيموا علاقات ملكية تقسيمية، وبسبب هذه العلاقات، لم يكن لديهم ببساطة في حالتهم الطبيعية الخالية من فكرة الملكية أي داع لإلحاق الضرر بعضهم ببعض أو ليعاني أحدهم على أيدي الآخرين.
لذا، اعتقد روسو أن العقد الاجتماعي الذي وضعه البشر لتأمين ممتلكاتهم لم يكن ليصاغ في الحالة الطبيعية، ولكن، على النقيض، لا بد أنه حيلة احتال بها الأثرياء في المجتمع ليخدعوا الفقراء. ربما بدت بنوده مقنعة ظاهريا؛ لأن من وضعوه أشاروا إلى سيادة القانون غير المتحيزة وإلى أمن كل البشر، لكن غايته الحقيقية كانت تأسيس نظام كانت تقتضيه الضرورة لحماية أملاك البعض على حساب البعض الآخر. وكانت تعني موافقة الفقراء (أي السواد الأعظم من الناس) على هذا العقد أنه مطلوب منهم التخلي عن حقهم في مشاركة الثروة التي يتمتع بها أصحاب الأملاك، وترتب على ذلك أنه في مقابل العيش في سلام وحماية أرواحهم، بحسب تعبير روسو، «تهافت الجميع على قيودهم، ظنا منهم أنهم بذلك يضمنون حريتهم» (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). إن فكرة أن «الملكية سرقة»، التي روج لها برودون وغيره من الاشتراكيين في القرن التاسع عشر، تدين بالكثير لهذه الحجة.
كما رآها روسو من وجهة نظره، فقد خدمت الرؤى السياسية لكل من هوبز وبوفندورف ولوك وحسب غاية توفير إقرار قانوني للامساواة الأخلاقية بين البشر، وترسيخ تلك العلاقات الاجتماعية الظالمة وحسب في القانون وبقوة السلطة القائمة بشكل غير طبيعي، تلك العلاقات التي تتطلب في واقع الأمر قواعد العدالة الخاصة بالمجتمع المدني للسيطرة عليها. قال روسو في الفصل الثاني من الكتاب الأول من «مخطوطة جنيف»، لم يكن الخطأ الذي وقع فيه هوبز افتراضه المسبق بوجود حالة حرب بين البشر فور أن اجتمعوا في مجتمع، بل افتراضه أن هذا الوضع طبيعي وأنه يرجع إلى الرذائل النابعة منه حقا لا المفضية إليه (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ العقد الاجتماعي وكتابات سياسية متأخرة أخرى). لقد نظر كل من هؤلاء المفكرين الثلاثة فعليا إلى أفكارهم باعتبارها حلولا لبعض المشكلات التي كانت تلك الحلول في حقيقة الأمر سببا فيها (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). إن افتراضات هوبز وبوفندورف حيال خصالنا الأساسية جعلتنا نبدو بائسين جدا، لدرجة أنه لا يسعنا إلا الإعجاب بالسلام والعدالة اللذين تجلبهما لنا حكوماتنا التي تحولنا من همج إلى مواطنين. غير أننا عندما نبادر بتنحية الأعمال الرائعة لمثل هؤلاء الكتاب القانونيين جانبا، وتأمل حال البشر بعمق خارج إطارها، ماذا سنرى؟ هكذا سأل روسو في مقالة موجزة له بعنوان «حالة الحرب»، التي ربما كتبها في أواخر خمسينيات القرن الثامن عشر، والتي ربما كانت ذات صلة بتعليقاته على مساعي الأب دي سان-بيير في أوائل القرن الثامن عشر للترويج للسلام الدائم. أجاب روسو عن ذلك بقوله: إننا نرى كل البشر «يئنون تحت نير حديدي، والبشرية كلها تسحقها حفنة من الطغاة»، والمعاناة والجوع في كل مكان، بينما الأثرياء يعيشون دون أي تأنيب ضمير على معاناة الآخرين وآلامهم؛ وفي شتى أنحاء العالم لا نجد شيئا سوى «التسلط الشديد على الضعيف من جانب القوي، والمدعوم بقوة القانون المهيبة» (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ العقد الاجتماعي وكتابات سياسية متأخرة أخرى). وبرؤى كهذه عبر عنها بألفاظ عميقة مماثلة، عبر أتباع روسو ومعجبوه الراديكاليون خلال الثورة الفرنسية عن ازدرائهم الشديد لمؤسسات النظام الفرنسي القديم.
اعتقد روسو أن هوبز وبوفندورف ولوك قد تغافلوا عن الدلالة الحقيقية لأفكارهم؛ غالبا لأنهم كانت لهم آراء مغلوطة عن الطبيعة البشرية. فقد نسبوا للإنسان الهمجي مجموعة من الخصال لم يكن ليكتسبها إلا عندما يكون عضوا في مجتمع، وبما أنهم أخفقوا في التمييز بين سماتنا الاجتماعية وخصالنا الفطرية، فإن تصوراتهم لسلوكنا الأصلي تشكلت بسرعة مبالغ فيها، وتلبست بتراكمات تطورنا. وبعد أن اضطلعوا بمهمة تفسير الحالة الطبيعية، بحسب زعم روسو في حاشية مهمة ومطولة في «الخطاب» الثاني، لم يتوانوا في نقل أفكارهم عبر قرون من الزمان، وكأن البشر في عزلتهم عاشوا بالفعل مع جيرانهم (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). والأدهى من ذلك أنهم اقترحوا أن بعض أكثر رذائلنا جسامة ينبغي أن يجيزها القانون.
السؤال الآن: كيف كان حال أسلافنا إذن دون كابوس تاريخنا الاجتماعي، كشأن تمثال جلوكوس الذي وصفه أفلاطون في الكتاب العاشر من «الجمهورية»، قبل أن تشوهه آثار الزمن المدمرة (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى)؟ لقد كانت غاية «خطاب عن اللامساواة» الأساسية تفسير تغير طبيعة جنسنا البشرية بسبب التحولات التي تعرض لها في المجتمع، على غرار الاعتقاد الذي ساد في أواخر القرن العشرين الذي وصف ما حدث للبشرية بأنه انتقال من الطبيعة إلى الحضارة. زعم روسو هنا أن أسلافنا الهمج لا بد أنهم اشتركوا مع غيرهم من الحيوانات الأخرى في خصلتين في حالتهم الطبيعية؛ الأولى: هي حب الذات أو النزعة الدائمة لحفاظ المرء على حياته، والثانية: هي الرأفة أو التعاطف مع معاناة غيره من أبناء جنسه. كتب روسو في مقدمة عمله يقول: «بتدبر أول أعمال الروح البشرية وأبسطها على الإطلاق، أعتقد أنه بإمكاني أن أرى فيها مبدأين سابقين للعقل»، يعنى أحدهما برفاهيتنا وحفاظنا على نوعنا، والآخر يوحي بوجود نفور طبيعي عند رؤية أي من الكائنات الأخرى وهي تتألم أو تموت . وزعم روسو أنه يبدو أن كل قواعد الحقوق الطبيعية مستقاة من هذا الاتفاق بين هذين المبدأين، دون الحاجة إلى إقحام فكرة بوفندورف عن النزعة الاجتماعية الطبيعية (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). ولا بد أن هاتين الخصلتين كانتا سابقتين للعقل والنزعة الاجتماعية الطبيعية؛ ذلك لأن هاتين السمتين اللاحقتين كانتا ستحتاجان إلى فترة طويلة جدا كي تنضجا، ولم يكن من الممكن أن يكون لهما أي وجود في حالتنا الطبيعية. وبينما زعم فلاسفة القانون الطبيعي الذين جاءوا قبله أن السبب الأساسي الذي جعل البشر يجتمعون معا هو وجود نزعة اجتماعية لديهم، وهي التي أمكن إشباعها من خلال امتلاكهم العقل، رفض روسو في «خطاب عن اللامساواة» تأسيس المجتمع على القانون الطبيعي. فهو لم يوافق على فكرة أن البشر يختلفون عن الحيوانات بسبب امتلاكهم لأي خصلة أو مبدأ طبيعي سام؛ ولذا فردا على سؤال المسابقة الذي طرحته أكاديمية ديجون - «ما أصل اللامساواة بين البشر؟ وهل يجيزها القانون الطبيعي؟» - أجاب مرة أخرى بالنفي تماما كما فعل من قبل في «خطاب حول الفنون والعلوم». تعجب روسو في ختام «الخطاب» الثاني بأنه «مما ينافي قانون الطبيعة» أن قلة من البشر يعيشون متخمين بما يفيض عن حاجتهم بينما يفتقر السواد الأعظم إلى أبسط الضروريات (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). لا يخول القانون الطبيعي اللامساواة، بحسب ظن روسو؛ لأن القانون الطبيعي لا يملي قواعد السلوك البشري في الحالة البدائية للبشر. ويشكل الجزء المتبقي من «الخطاب» الثاني لروسو محاولة لاقتفاء أصل وتاريخ اللامساواة الأخلاقية.
صفحه نامشخص