الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
ژانرها
وجعلت سريز تختلج اختلاج ريشة بمهب الريح، وأخذ صوتها يتهدج. - إني أطيعك ولا أخالف لك أمرا، ولكن بالله ألا ما أنقذت خطيبي. - الآن سررتني وسكنت مني روعي، فإني أشفق على ليون نفس إشفاقك عليه، فالبثي الآن بقربي وكفي البكاء، فلم يعد من خطر عليه، ولا تسأليني شيئا بعد ذلك؟ - رحماك، واسمح لي أن أسألك سؤالا واحدا. - تكلمي. - وصلتني منذ ساعتين رسالة من أختي. - أعلم ذلك واسمها باكارا. - وقد كتبت لي بها أن حياتها في خطر، وأني وحدي القادرة على إنقاذها، فإذا لم أسرع إلى مساعدتها في شارع الحية، فهي تموت.
فتصنع كولار الغضب، وقال: إن أختك قد بلغت منتهى الخيانة، فإنها قد نصبت لك شركا مذموما لتلقيك في أيدي بيرابو، وليست على شيء من الأخطار.
فاسترسلت سريز في البكاء، وهي تقول: أيمكن أن تخون الأخت أختها؟ - نعم، وحبذا لو استطعت أن أبوح لك بهذا السر، ولكني في ذلك أعرض حياتي وحياة ليون للموت، وربما كان لك حظنا من الموت. - بالله إذا كان في موتي إنقاذ ليون فاقتلني.
فأخذ كولار يدها بين يديه، وضغط عليها بتودد وحنان وهو يقول: لا تخشي أمرا، فإنني عندما يتاح لي أن أبوح بهذا السر تقفين على الحقيقة، وتعلمين أني خير صديق. ثم انقطع الحديث بينهما، وزادت المركبة في سرعة المسير، حتى إذا بلغت إلى سنت جرمين خارج البلدة عاد الرعب إلى سريز، فقالت: أتسير بي إلى محل بعيد؟ - كلا، سنصل إلى وجهتنا بعد ساعة. - إلى أين نحن ذاهبون؟ - لا أقدر أن أقول، ويجب علي الآن أن أعصب عينيك!
فصرخت سريز صراخ الرعب، فقال: تذكري سابق وعدك لي من إنك تطيعينني، وأن حياة ليون متوقفة على امتثالك. ثم أخذ منديلا من جيبه فعصب عينيها دون أن تبدي أقل اعتراض، وقال لها: لا تبحثي أبدا عن المحل الذي تذهبين إليه، فإن ذاك مما يضر بنا. فسكتت سريز وهي بمنتهي الانذهال تخال نفسها في حلم، فلم تنبس بكلمة، ولم تبد إشارة، حتى وقفت المركبة، فقال لها: قد وصلنا فهات يدك لأساعدك على النزول. ثم فتح باب المركبة ونزل وإياها.
وكانت المركبة قد وقفت في سهل متسع أمام حائط طويل، ففتح كولار بمفتاح كان في جيبه، وقاد سريز وهي معصوبة العينين، فمشت معه عرضة للاضطراب والخوف، وقد سمعت وقع أقدام وهي تسير مع كولار، ثم سمعته يقول: «هو ذا العصفور.» وسمعت صوتا خشنا أجابه: «لقد أعددت القفص.» ثم شعرت أن كولار قد ترك يدها، فمدتها حالا إلى العصابة وأزاحتها عن عينيها، ثم تطلعت بنظر قلق، وكان شفق الصباح قد بدأ يتوقد، فرأت نفسها في حديقة واسعة الأرجاء محاطة بسور طويل، وفي وسط هذه الحديقة منزل صغير، فحولت نظرها إلى الجهات الأربع فلم تجد أقل أثر للمساكن، ثم نظرت بعد ذلك إلى الذي سمعته يخاطب كولار، فرأت امرأة عجوزا تناهز الستين قد جعدت وجهها الأيام، وهي بمنتهي القبح؛ فرجعت سريز إلى الوراء منذعرة وقد أخذ منها الرعب. فدنت منها تلك العجوز، وكان اسمها مدام فيبار، فأخذت بيدها وتوددت إليها توددا عظيما لم يكن إلا ليزيد من خوفها ورعبها، فصرخت مستغيثة بكولار الذي بعد عنها، وتظاهر أنه لم يسمع نداءها، فكانت تناديه وهو يمشي مسرعا، وقد قبضت عليها العجوز بيد من حديد، فلم يمكنها الإفلات واللحاق به، حتى وصل إلى الباب الذي دخل منه فخرج وأقفله وراءه.
فأخذت العجوز تسكن جأشها، وتطيب قلبها، وهي تسير بها حتى وصلت إلى المنزل، فأدخلتها إلى غرفة بها مستوقد، وقالت: اجلسي هنا وتدفئي، فإن البرد شديد، وثوبك مبتل من المطر، وسأحضر لك شيئا من الشراب يعينك على الدفء.
فأبت سريز وقالت بجزع ويأس: كلا، لا أريد أن أبقى هنا، أريد أن أعود إلى باريس. - إن المسافة شاسعة، وإنك ستؤذين قدميك الجميلتين. - كلا، فإن لي مقدرة وقوة على الرجوع، وإذا تعبت في الطريق أستريح.
فتنهدت مدام فيبار، وقد تكلفت هيئة الرفق والإشفاق.
قالت سريز: نعم، إن لي قوة على المسير، وليس ما يتعبني في سبيل ذهابي إلى ليون. - من هو ليون؟ أهو عشيقك؟ - ألا تعرفين ليون؟ - كلا!
صفحه نامشخص