الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

تانیوس کبدوح d. 1344 AH
159

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

ژانرها

فاهتز لوسيان فوق فرسه واضطرب حتى أوشك أن يسقط، ثم قال له: أتظن يا بنوات أني أريد إغواءها؟ - إن الظواهر يا سيدي تدل على صدق هذا الظن. - ولكنك مخطئ، فإني أحب حنة. - أرأيت كيف أني صادق بظنوني؟ - هو ذاك، ولكني إذا كنت من رجال الأنساب فلا أتقيد بها، وقد أحببت تلك الفتاة ورأيتها من أهل الطهر والفضيلة والعفاف فلم أكترث لما يحول بيني وبينها من تباين المقام، وأردت أن أتخذها امرأة لي.

فصاح الأحدب صيحة دهش وقال: أحقا ما تقول؟ - كل الحق، وقد جاهرت بنيتي لداغوبير فكان جزائي منه ما رأيت. - أأنت واثق يا سيدي أنه سمع اقتراحك؟ - كل الثقة. - أفهم مرادك؟ - دون شك، فإني كلمته بأتم التصريح والجلاء. - إنه أمر عجيب يحار فيه عقلي.

ثم أطرق هنيهة وقال: إذا كان الأمر قد اتفق كما رويته يا سيدي، فلا شك أن داغوبير قد ارتكب خطأ عظيما، ولكني أعرف داغوبير حق العرفان وألتمس منك يا سيدي أن تعدني وعدا. - ما هو؟ - هو ألا تشكو داغوبير ولا تنتقم منه قبل أن تراني. - ماذا تريد أن تصنع؟ - أريد أن أراه. - وبعد ذلك؟ - أقف على حقيقة أفكاره وأعود إليك صباح غد إلى قصرك، فأخبرك بما يكون، على أن تفي بوعدك ولا تعاقبه بشيء قبل أن أعود. - سأفي، فمتى تذهب إليه؟ - الآن. - إذن إلى اللقاء غدا.

فغادره الأحدب عند ذلك عائدا إلى داغوبير، وبقي الكونت وحده في الغابة.

7

وكانت النجوم تسطع في السماء ولكنها لا تكشف اربداد الظلام، وقد ساد السكون في تلك الغابة المتسعة فسادت السويداء على الكونت، وتلاها حزن عميق أسال الدمع من عينيه، فإن أصوات ضحك ابنة عمه والفارسين كانت لا تزال تدوي في أذنه.

ثم جعل يفتكر بحنة فيتمثل له كيف أنها أقفلت النافذة بعنف حين جسر على المجاهرة لها بهواه، وجعل يسير الهويناء وهو يقول في نفسه: لا شك أن هذا اليوم من شر أيام الشقاء، فإنه اختصم مع ابنة عمه، بل أصبح هزءا في عينيها؛ إذ رأت ذاك الحداد يطرده أقبح طرد.

وهنا عاودته عاطفة الانتقام ولكنه جعل يسأل نفسه فيقول: ترى ممن أنتقم؟ أمن ابنة عمي أورور؟ ولكنها مصيبة في هزئها بي، ألست خطيبها منذ شببت عن الطوق؟ ألم أكن خائنا نذلا في عينيها؟ فكيف لا يحق لها أن تهزأ بي؟ أم تراني أنتقم من داغوبير؟ وأي طيش أعظم من هذا الطيش؟! وإذا أسأت إليه بالانتقام فكيف أتقرب من قريبته وقد أقمت بيني وبينها مثل هذا السد؟ بقي هذا الشفالييه الذي قال لي عنه بنوات إنه من أهل الشر والدسائس، وهو مصيب فيما قال، ولا شك أن هذا الرجل حمل ابنة عمي على التجسس علي؛ فهو خائن نمام وسيلقى ما يستحقه من العقاب، إني سأذهب إليه غدا وأسأله الإيضاح والترضية، فإذا أباها علي صفعته وأدركت من مبارزته والانتقام منه ما أريد.

وكان لوسيان يبحث عمن ينتقم منه شفاء لغله، فلما استقر على هذا الخاطر سكن ثائر غضبه وخف جأش هياجه.

ثم ذكر ما لقيه من انذهال الأحدب حين أخبره عن صدق نيته في عزمه على الاقتران بحنة، فعلل انذهاله تعليلا معقولا، وهو أنه في ذاك العهد كان التباين عظيما بين الأشراف وبين الطبقة العامة، فلا يخطر لأحد في بال أن يتدانى النبلاء إلى الاتصال بالعوام بصلة القران، ولا يجول في بال أحد أن كونتا عظيما يتزوج فتاة قروية؛ ولذلك خف ما عنده وقال في نفسه، إن داغوبير معذور، فلا شك أنه حسبني هازئا به وأني أحتال عليه بمثل هذه الوعود؛ تذرعا إلى إغواء الصبية، ولكن الأحدب سيزيل هذا الشك من نفسه ويقوم بالمهمة التي انتدبته بها خير قيام.

صفحه نامشخص