الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
ژانرها
على أنه إذا قدر لي الموت يا بني فلا أموت بهذا الداء الذي أشكو منه الآن، ورجائي أن أعيش كثيرا لخدمة الله ونجاح هذا الدير وسعادة تلك الفتاة التي اؤتمنت عليها، ومن أجل هذا دعوتك إلي، فقل لي الآن كم تبلغ الفتاة من العمر؟ - إنها بلغت السابعة عشرة. - بقي لدينا ثلاثة أعوام للقيام بما انتدبنا إليه يا صديقي، ولكن الثلاثة أعوام تعادل في بعض الأحوال ثلاثة قرون، ومن يعلم ما يحدث في خلال هذه السنين الثلاث.
إن هذا الصديق سافر منذ سبعة أعوام ولكنه لم يعد، فلا بد أن يكون قد مات، وفي كل حال فأية فائدة من الانتظار؟ إذن يجب أن نتأهب للسفر. - إني مستعد للسفر إلى أقصى حدود الأرض. - كلا، بل إلى باريس، وأنت تعلم يا بني أن رؤساء الأديرة لا يستطيعون مبارحة أديرتهم إلا بعد استئذان الرئيس الأعظم، وقد أرسلت التماسي وسيجيبني الرئيس إليه فيما أظن، فإذا كنت غير مخطئ في تشخيص علتي فإن قواي تعود إلي بعد شهر فأسافر وإياك. - أتسافر معنا حنة؟ - دون شك، فإننا نبحث عن ثروتها ثم ...
وهنا توقف الأب جيروم.
فاضطرب داغوبير وقال: ثم ماذا؟ - إن حنة من بيت نبيل، وهي وافرة الثروة، فلا بد أن يتزاحم عليها الخطاب، فلا نعدم رجلا بينهم سليم القلب يخطبها؛ إذ لا بد من تزويجها.
فأجابه داغوبير بصوت مختنق: هذا لا ريب فيه. - والآن قل لي، أما كنت ترى أحدا من الشباب النبلاء يرود حول الدير وحول دكانك بحجة الصيد أو شراء نعل لفرسه؟ - لقد أصبت فقد رأيت كثيرين منهم يتذرعون بمثل هذه الحجج للنظر إلى الصبية لا سيما واحدا منهم. - أهو شاب؟ - نعم، يبلغ العشرين. - أهو جميل؟ - نعم. - إنه غني دون شك ونبيل. - إنهم يدعونه الكونت دي مازير.
فوقف الأب جيروم منذعرا حين سمع هذا الاسم وبدت عليه علائم الاحتقار، فقال: أي اسم ذكرت لي؟
فبهت داغوبير وقال: الكونت دي مازير يا سيدي، وهو فتى حسن السمعة لا يذكره أحد إلا بالخير. - ويح لهذا الشقي. - إني أعجب يا سيدي من احتقارك لهذا الفتى بعد إجماع قومنا على حبه واحترامه، ولو علمت قبل اليوم أن الفتاة غنية وأنه يجب تزويجها من نبيل غني مثلها لما اخترت لها غيره زوجا. - لعله يحبها؟ - أظن.
فزادت ظواهر احتقار الرئيس وقال: كيف عرفت ذلك؟ لعله اجتمع بها؟ - إني حين أشتغل في دكاني يا سيدي، ولا يكون لديها ما تعمله في المنزل تأتي إلي فرارا من الوحدة، فتحادثني وهي تشتغل بإبرتها وأحادثها وأنا أشتغل بالمطرقة، وذلك منذ سبعة أعوام إلى اليوم.
وقد اتفق يوما منذ ستة أشهر أن جاءني فتى لإصلاح نعل جواده، وهو لوسيان، فرآها عندي وحادثها، وبعد أسبوعين رجع إلي، ثم جعل يجيئني كل أسبوع بنفس الحجة، وماذا تريد أن أصنع به يا سيدي؟ وأي لوم علي. - لا لوم عليك ولا تثريب.
ثم ساد السكوت هنيهة بينهما، وعاد الرئيس إلى الحديث فقال: أصغ إلي الآن يا بني، فإنك على كونك فلاحا وحدادا فإن بين جنبيك قلبا يتسع للنبل أكثر من اتساع قلوب أولئك النبلاء، ولكن حائلا عظيما يعترض بينك وبين حنة.
صفحه نامشخص