ولي طبيعة تصبو إلى زمن الربيع وتتشوف إلى النبات المريع، أجد من نفسي نشاطا في أيامه، ويهيجني نشر رنده وخزامه، وابتهج ببانه وعراره، وأطرب لدهمه وديناره، واستثنى رياه، ويشوقني محياه، ويروقني منظره ومخبره، ويرق لي أصيله وسحره، ما تفتقت أكمامه، ألا تحرك وجد القلب وغرامه، ولا فتح نواره، إلا وأضرم في الحشا ناره.
من البسيط
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا ... من الحسن حتى كاد أن يتكلما
وقد نبه النوروز في غلس الدجى ... أوائل ورد كن بالأمس نوما
ومن شجر رد الربيع لباسه ... عليه كما نشرت وشيا منمنما
أحل فأبدى للعيون بشاشه ... وكان قذى للعين إذ كان محرما
ولم يكن عندي إذ ذاك باعث غرام، وليس لي هم في غلامة أو غلام، لا سبيل علي لسلطان البطالة، ولا طريق على قلبي لغزال ولو كان كالغزالة، اعجب ممن يهيم وجدا واستغرب متى شكا عاشق هجرا وصدا، وأفوق إلى توبة وجميل سهام كلام، وأسفه رأي قيس وعروة بن حزام، اعد ما نقل من أخبارهم زورا ومينا، وأستبعد من عقل أن يجلب لنفسه حينا، فبينما أنا أروح مسرحا طرفي بين الرياض، وسارحا بطرفي في تلك الربا والغياض، إذ عن لي سرب نساء، كالظباء سوانح، وفي تلك الحدائق سوارح، تبدو عليهن روعة الجمال، وترى فيهن أبهة الجلال، فاتبعهن نظرة المرتاد، وأنسيت ما تجلب العين على الفؤاد،.
القاضي الأرجاني.
من الطويل
تمتعتما يا ناظري بنظرة ... وأوردتما قلبي أمر الموارد
أعيني كفا عن فؤادي فإنه ... من البغي سعي اثنين في قتل واحد
فبدت إلي منهن فتاة، كأنها مهاة، تسفر عن وجه بديع الجمال، وتنثني فتخجل الأغصان في الميل والاعتدال، بعيدة مهوى القرط، حوراء المدامع، شهية ما فوق اللثات، مضية ما تحت البراقع، ترنو بألحاظ ريم، وتبسم عن در نظيم، ابن الرومي.
من الكامل
نظرت فأقصدت الفؤاد بسهمها ... ثم انثنت عنه فكاد يهيم
ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت ... وقع السهام ونزعهن الميم
كان محياها بدر داجية، أو شمس سماء مصحية، ولا يقال صاحية، قد حار فيه الجمال، وضرجته حركات الدلال.
من الخفيف
أبرزوها مثل تهادي ... بين خمس كواعب أتراب
وهي مكنونة تحير منها ... في أديم الخدين ماء الشباب
ثم قالوا: تحبها؟ قلت بهرا ... عدد الرمل والحصى والتراب
من الكامل
يا سالبا قمر السما بجماله ... ألبستني في الحزن ثوب سمائه
أشعلت قلبي فارتمى بشرارة ... علقت بخدك فانطفت في مائه
وللشعراء في وصف الخال معان أنيقة ومقاصد رشيقة ملكوا منها واضح الجدد والطريقة، وأتوا بالسحر الحلال على الحقيقة، قال ابن الساعاتي: من الكامل
ذو وجنة ما لاح مائل خالها ... بل لاح أسود مقلتي في مائها
وقال: من الكامل
ما الخال نقطة نون صدغك إنما ... قلبي بحبته حباك تلهفا
وقال الحاجري الاربلي: من مجزوء الخفيف
لك خال من فوق عرش عقيق قد استوى
بعث الصدغ مرسلا ... يأمر الناس بالهوى
وقال: من الطويل
عجبت لخال يعبد النار دائما ... بخدك لم يحرق بها وهو كافر
وأعجب منه أن صدغك مرسل ... يصدق في آياته وهو ساحر
فثنيت في أثرهن جوادي، وإنما تبعت فؤادي، وقد شغلني الحب عن التقية، وقادني الوجد قوة المطية، وأصبحت بعد ذلك الشماس، وملت عن التوحش إلى الإيناس، وهونت ما كنت استصعبه من لوم الناس، وجريت في طلق الصبا، طلق الصبا، وذهبت في نيل البغية مذهبا مذهبا، وأنشدت عاذلي وقد هاجت بلابلي،.
من الطويل
ألا ليقل من شاء إنما ... يلام الفتى فيما استطاع من الأمر
قضى الله حب المالكية فاصطبر ... عليه فقد تجري الأمور على قدر
1 / 2