عنده إلينا - بخلاف نقل الإنجيل الراجع إلى ثلاثة قد ظهر كذبهم ، وبخلاف نقل ( 1 ) التوراة التي هي راجعة إلى واحد وهو عزرا ( 2 ) ، وكانت قبل ذلك أيام دولتهم ممنوعة من كل واحد إلا من الكاهن وحده - وأعلامه منقولة كذلك في الكتاب المذكور ، كإعجاز القرآن وعجز العرب عنه وكشقه القمر إذ سألوه آية ، وكتجربة اليهود بأن يتمنوا الموت وإعلامه انهم ( 3 ) لا يتمنوه أبدا ( 4 ) وإذعان ملوك اليمن وإيمانهم به دون خوف منهم له ولا طمع منه في حظوة [ 146 ب ] دنيا من مال أو جاه لديه ، بل دعاهم إلى ترك الملك والنزول عنه والدخول في العامة ، وإسقاط الفخر والثأر والعداوات وطلب الدماء . والرجوع إلى مؤاخاة من قتل الآباء والأبناء ، فأجابوه كلهم كملوك اليمن وملوك عمان والبحرين وغيرهم - حتى جبلة بن الأيهم ثم ارتد أنفة ولم يزل نادما على ردته - لا ينكر ذلك أحد ، مع براءة كتابه المنزل عليه من كل كذب ومن كل مناقضة ومن كل محال ، فصحت نبوته صحة لا مرية فيها ، وشريعته المتصلة من عهده عنه إلينا ، لأنها لم تكن قط منقطعة فيما بينه وبيننا ولا طرفة عين فما فوقها ، ولا كانت عند خاص دون عام ، بل منقولة من بين المشرق والمغرب .
فإذا قد صح هذا كله : فالواجب على العاقل ألا يقطع دهره إلا بطلب معرفة ما ينجيه في معاده ، ويخلصه من الهلكة ومن النيران المحيطة بها ، ويرفعه إلى السموات التي هي محل الحياة الأبدية والنجاة من كل مكروه ، وموضع السرور السرمدي واللذات الدائمة التي لا انقطاع لها ، ولا يشتغل من سائر العلوم إلا بمقدار ما يعرف به أعراضها ، ويزيل عن نفسه عمى ( 5 ) الجهل بأنه لعل فيها ما ليس فيها ، وما يتعلق بالديانة منها ، ثم يرجع إلى ما فيه خلاصه .
وإذ لاشك في هذا فاعلم ان الفلاسفة لم يدعوا قط انهم تخلصوا بها بعد الموت ،
صفحه ۱۳۹