الأمور حرفة، فيطلب منه أن يبحث عن الفال في كتاب، ومن هام في كل واد، واتبع كل ناعق، صرف اللَّه عنه عنايته وأخرجه من عباده الصادقين، وأخطأ طريق التربية والهداية الربانية، وظل يهيم في هذه الأودية، ويتيه في مهامه الأوهام والأحلام إلى أن يتلف ويهلك، فمنهم من تمذهب بمذهب الدهريين، ومنهم من سلك مسلك الملحدين، ومنهم من دخل في غمار المشركين، ومنهم من ابتلي بالسفسطة.
وأما من توكل على اللَّه، ولم تتشعب به المذاهب عده اللَّه وفتح اللَّه عليه طريق الهداية، وهدى قلبه، فأذاقه حلاوة الإيمان، وغشيته غاشية من السكينة، ورزق من اجتماع الخاطر ورباطة الجأش، وبرد اليقين، وهدوء النفس ما لا سبيل إليه لمن تثبت فكره، وتفرق هواه، ثم إنه لا يخطئه ما قدر له وقسم، ولكن ضعيف العقيدة متشتت البال يعاني الحزن والقلق من غير جدوى، والمؤمن المتوكل، الموحد ينعم بالهدوء، والطمأنينة والسكينة.
ومعنى ذلك أن اللَّه ﷿ وعلا لا يقاس على ملوك الدنيا، فإنهم يباشرون الأمور الخطيرة ويتولونها بأنفسهم، أما الأمور التافهة فيكلونها إلى الخدم والموظفين، فيلجأ الناس إليهم في هذه الأمور التي ليست ذات خطر وشأن، وليس الأمر كذلك فيما يختص بالله تعالى، فإنه هو القادر المطلق الذي يقدر على أن يصلح ما دق وجل من الأمور، وإن كانت في عددها وانتشارها كنجوم السماء، ورمال الدهناء، وليس لأحد تصرف في مملكته، فيحب أن يطلب منه الأمر التافه كما يحب أن يطلب منه الأمر الجليل، والعطاء الجزيل، لأن أحدا لا يملك شيئا سواء الصغير منه والكبير، والدقيق والجليل.
1 / 125