أو جني أو ملك، أو شيخ أو شهيد، أو إمام، أو سليل إمام، ولا لعفريت ولا لجنية أن يطلعوا على الغيب متى شاءوا، إن اللَّه قد يطلع من يشاء على ما يشاء متى يشاء، لا يجاوز علمه ما أراد اللَّه إطلاعه عليه مثقال ذرة، وكان ذلك خاضعا لإرادة اللَّه تعالى، لا لهواهم.
وقد وقع للنبي ﷺ مرارا أنه رغب في الاطلاع على شيء فلم يتيسر له ذلك، فلما أراد اللَّه ذلك أطلعه عليه في طرفة عين. وقصة الإفك مشهورة معلومة للجميع، وقد أشاع المنافقون عن سيدتنا عائشة ما هي منه بريئة، وقد كبر ذلك على النبي ﷺ، وبلغ منه كل مبلغ، وقضى أياما يفحص فيها الأمر فلم تنكشف له الحقيقة، وبقي أياما مشغول الخاطر، فلما أراد اللَّه أن تنجلي عنه هذه الغمة، وتنكشف له الحقيقة أخبره بأن المنافقين هم الكاذبون، وأن عائشة ﵂ بريئة من هذه التهمة، فعلم من ذلك يقينا أن مفتاح الغيب بيد اللَّه تعالى لم يمكن منه أحدا، ولم يملكه إياه، وليس له خازن بل هو الذي يفتح هذا القفل بيده، فيهب من يشاء ما يشاء، لا يمسك يده أحد، ولا يمنعه عن ذلك أحد.
من ادعى لنفسه، أو اعتقد في أحد علم الغيب بالاستقلال والدوام كان كاذبا آثما:
وقد تبين من هذه الآية أن من ادعى علما يعرف به الغيب متى شاء وأن الاطلاع على الأمور المستقبلة ميسور له، وتحت تصرفه، كان كذابا، مدعيا للألوهية، ومن اعتقد ذلك في نبي أو ولي، أو جني أو ملك، أو إمام أو ابن إمام، أو شيخ أو شهيد، أو مُنِجِّم أو رمَّال، أو جفار، أو من يبحث عن الفال في كتاب (١)، وغير ذلك، أو كاهن أو سادن، أو عفريت أو جنية كان مشركا، منكرا لهذه الآية.
ومن وسوست له نفسه، وسول له الشيطان أنه قد يتحقق ما يخبر به منجم، أو رمال، أو كاهن، أو محترف بالأخبار بالسعد والنحس، فيدل ذلك على علمه للغيب، فكل ذلك باطل، فإن كثيرا ما تخطئ أخبارهم ويقع عكسها، فثبت من ذلك أنه لا صلة له بعلم الغيب، وأنه ليس في تصرفهم، وإنما يتكلمون رجما بالغيب، وقد يصيبون، وقد يخطئون، وهذا هو الشأن في الاستخارة والكشف، ومن يبحث عن الفال في
_________
(١) اعتاد الناس - في الهند وغيرها أنهم إذا غم عليهم أمر، وكانوا في حيرة وتردد، يقدمون - رجلا، ويؤخرون أخرى، فتحوا كتابا يعتقدون في مؤلفة الخير، وشفوف الروح، فيفتحونه من غير تخير، فما واجههم في الصفحة التي فتحوها تفاءلوا به، وبتوا الأمر، وقد كثر الاعتماد على ذلك في إيران، وشبه القارة الهندية، على «ديوان حافظ» الشاعر الإيراني الغزلي الصوفي، المتوفى سنة ٧٩٣هـ ويسمون هذا الاستفتاء «برؤية الفال» .
1 / 102