ويدل الكتاب على ذلك بدرجة كبيرة من الوضوح، فلو أننا تصفحناه، حتى بطريقة عارضة، لرأينا بوضوح أنه إذا كان العبرانيون قد تميزوا بشيء ما عن الأمم الأخرى، فإنهم قد تميزوا بازدهار أحوالهم فيما يتعلق بالأمن في الحياة، وبما حصلوا عليه من سعادة في التغلب على المخاطر الكبرى.
15
وقد تم لهم كل هذا بعون الله الخارجي فحسب، وفيما عدا ذلك كانوا على قدم المساواة مع باقي الأمم، فالله يرعى الجميع على السواء. أما فيما يتعلق بالحكمة، فمن الثابت (وقد بينا ذلك في الفصل السابق) أنه كانت لديهم معتقدات فجة إلى حد بعيد عن الله والطبيعة؛ لذلك لم يخترهم الله ولم يفضلهم على الآخرين لهذا السبب، ولا من أجل الفضيلة والحياة الحقة، فقد كانوا من هذه الناحية على قدم المساواة مع باقي الأمم، ولم يقع الاختيار إلا على قليل منها؛ وعلى ذلك، فقد تم اختيارهم وأعطوا رسالة من أجل الازدهار الدنيوي لدولتهم، ومن أجل مزاياهم المادية. كذلك، فإننا نعتقد أن الله لم يعد البطارقة
16 ⋆
أو خلفاءهم بأي شيء ما عدا ذلك، بل إن الشريعة لم تعد العبرانيين بشيء مقابل طاعتهم إلا باستمرار دولتهم الذي يسعدون به وبنعم الدنيا، وفي مقابل ذلك فإنها أنذرتهم بسقوط الدولة وبأفدح المصائب لو أنهم عصوا الميثاق ونقضوه. ولا عجب في ذلك، فغاية كل مجتمع وكل دولة (كما يتضح مما قلناه، وكما سنسهب في بيانه فيما بعد) هي العيش في أمن والحصول على مزايا معينة، إلا أن الدولة لا يمكن أن تبقى إلا بالقوانين التي يلتزم بها كل فرد. ولو أراد جميع أعضاء المجتمع الواحد إلغاء القوانين فإنهم بذلك إنما يقضون على المجتمع وعلى الدولة معا. وعلى ذلك، فإن أية وعود لم تعط لمجتمع العبرانيين، مقابل المراعاة الدائمة للقوانين، وسوى الأمن
17 ⋆
في الحياة والنعم المادية. وعلى العكس من ذلك، فلم يتنبأ لهم بعذاب أكيد مقابل عصيانهم سوى انهيار الدولة وما ينتج عن ذلك عادة من الشرور، وكذلك بعض المصائب التي تحل بهم خاصة، وذلك نتيجة لانهيار دولتهم. ولسنا في حاجة هنا إلى الإفاضة في هذا الموضوع، وإنما أود فقط أن أضيف أن قوانين العهد القديم قد أوحيت لليهود ووضعت لهم وحدهم؛ إذ إنه لما كان الله قد اختارهم لا لشيء إلا ليكونوا مجتمعا لهم، وليقيموا دولة خاصة بهم، فقد كان من الضروري أن تكون لهم قوانين خاصة. ولكن، هل وضع الله أيضا لسائر الأمم قوانين خاصة، وهل أوحى بتعاليمه إلى المشرعين على طريقة النبوة أي من خلال الصفات التي تعود الأنبياء إعطاءها إياه بخيالهم؟ هذه المسألة لم تتضح بما فيه الكفاية بعد، ولكننا على الأقل نرى في الكتاب أن أمما أخرى قد كونت لها إمبراطورية وقوانين خاصة بحكم الله الخارجي، وسأذكر نصين فقط لإثبات ذلك؛ يروى في سفر التكوين (14: 18-20)
18
أن ملكيصادق
19
صفحه نامشخص