Surnaturelle . لم يكن لدى بولس إذن وحي من فوق الطبيعة بل آراء شخصية له، ونداءات إنسانية ودعوات للأخوة وللفضيلة، وهو ما يعترف به بولس نفسه، في حين أن موسى قد بعث بأمر الله، وتحدث بوحي منه، وبلغ رسالته. وكما اختار بولس أقواله اختار أيضا، بمحض إرادته، الأماكن التي بشر فيها، في حين أن موسى قد بشر في أماكن حددها الله له ووجهه فيها، لقد بشر الحواريون باعتبارهم علماء وفقهاء ورجال دين، لا باعتبارهم أنبياء، وهم بهذا المعنى قد أرسلوا إلى البشر جميعا، في حين أن النبي قد أرسل لأمة معينة؛ لأن تبليغ الرسالة ليس موقوفا على شعب معين أو مكان معين أو وقت معين.
79
فإذا بدأ الحواري إحدى رسائله بتأكيد صفته كحواري، لا كنبي وتأكيد سلطته، فإنما يفعل ذلك لجذب انتباه القارئ أو السامع ، وإذا تحدث الحواري عن روح الله، فإنه يعني آراءه الشخصية ، كما يدل السياق على ذلك، وقد وصل الحواري إلى بعض حقائق الوحي بالنور الفطري، مثل دعوته إلى الأخلاق، وهي جوهر المسيحية. وكان الحواري يعتمد في بعض الأحيان على الآيات لنشر الدعوة.
80
وقد اختار كل حواري الطريقة التي تلائمه لنشر الدعوة ولتحذير الناس، فأقام بولس المسيحية على أسس خاصة به، مستبعدا الأسس الأخرى لسائر الحواريين، فقد دعا بولس مثلا إلى إمكان الخلاص بالإيمان وحده دون الأعمال، وأكد عقيدة القدر السابق
في حين أن يعقوب دعا إلى إمكان الخلاص بالإيمان والعمل معا، فالإيمان دون العمل إيمان ميت - معارضا بذلك عقيدة بولس. وقد كان هذا الاختلاف في الأسس سببا للتفرق والتشيع إلى طوائف مختلفة داخل الكنيسة وخارجها، ولن تتوقف هذه الاختلافات إلا إذا كفت الكنيسة عن الدخول في التأملات النظرية، وعادت إلى العقيدة السمحة التي دعا إليها المسيح. ولكن الحواريين لم يستطيعوا ذلك، ونسوا الإنجيل، وأنسوه الناس معهم، وقد كان بولس من بينهم جميعا أشدهم تحزبا للمسيحية العقائدية والديانة المذهبية، وهي التي أصبحت فيما بعد المسيحية الرسمية، مما جعل البعض يتحيزون معه، والبعض الآخر ضده، وقد ساعد بولس في ذلك تكوينه الرباني
rabbinique
اليهودي، ومعرفته بتاريخ الأنبياء، ودراسته لطرق التأويل في مدرسة الجماليل
Gamaliel
وإحاطته بثقافة العصر اليونانية، خاصة أن دعوته كانت موجهة إليهم حتى سمي حواري الأمم
صفحه نامشخص