وليست هذه هي الإضافة الوحيدة، إذ يضيف الراوي
7
بعد ذلك بقليل إلى كلمات موسى هذا الشرح: «وقد مد يائير بن منسي حكمه على عرجوب حتى حدود الحسوريين والمهاتيين وأطلق اسمه على هذه المناطق كما أطلق عليها اسم باشان. وهناك قرى حتى الآن باسم يائير.» أقول إن المؤرخ أضاف هذه الكلمات ليشرح بها كلمات موسى التي أوردها قبل ذلك بقليل. «وقد أعطيت ما بقي من جلعاد وكل مملكة باشان التي كان يملكها عوج إلى نصف قبيلة منسي، وسيمتد حكم عرجوب على باشان كلها التي تسمى بأرض العمالقة.» ولا شك أن العبرانيين المعاصرين لهذا الكاتب كانوا يعرفون بلاد يائير التي تنتمي إلى قبيلة يهوذا، ولكنهم لم يعلموا أنها تحت حكم عرجوب وأنها أرض العمالقة؛ لذلك اضطر إلى أن يشرح ما هي هذه البلاد التي كان يطلق عليها قديما هذا الاسم، وأن يخبرنا في الوقت نفسه لم سماها سكانها في هذا الوقت باسم يائير، مع أنهم ينتمون إلى قبيلة يهوذا لا إلى قبيلة منسي (انظر: الأخبار الأول، 2: 21-22)،
8
وهكذا شرحنا فكر ابن عزرا وكذلك نصوص الأسفار الخمسة التي ذكرها، لكي يثبت فكره هذا. ولكن يبدو أنه قد فاته أن يذكر أهم الأمور، إذ يمكن إبداء ملاحظات أخرى متعددة أكثر خطورة على هذه الأسفار. فمثلا: (1)
لا يتحدث الكتاب عن موسى بضمير الغائب فحسب وإنما يعطي عنه شهادات عديدة مثل: «تحدث الله مع موسى، كان الله مع موسى وجها لوجه، وكان موسى رجلا حليما جدا أكثر من جميع الناس (العدد، 125: 3). فسخط موسى على وكلاء الجيش (العدد، 31: 14). موسى رجل الله (التثنية، 13: 1) لقد مات موسى خادم الله، ولم يقم من بعد نبي في إسرائيل كموسى.» وعلى العكس يتحدث موسى ويقص أفعاله بضمير المتكلم في التثنية
9
التي كتبت فيها الشريعة التي شرحها موسى للشعب والتي كتبها بنفسه، فيقول: «كلمني الرب (التثنية، 2: 1، 17 ... إلخ) ورجوت الرب ... إلخ.» إلا في آخر السفر حيث يستمر المؤرخ بعد أن نقل أقوال موسى ويحكي في روايته كيف أعطى موسى الشعب هذه الشريعة (التي شرحها) كتابة ثم أعطاهم تحذيرا أخيرا، وبعد ذلك انتهت حياته. كل ذلك، أعني طريقة الكلام والشواهد ومجموع نصوص القصة كلها يدعو إلى الاعتقاد بأن موسى لم يكتب هذه الأسفار بل كتبها شخص آخر. (2)
يجب أن نذكر أيضا أن هذه الرواية لا تقص فقط موت موسى ودفنه وحزن الأيام الثلاثين للعبرانيين، بل تروي أيضا أنه فاق جميع الأنبياء، إذا قورن بالأنبياء الذين عاشوا بعده «ولم يقم من بعد نبي في إسرائيل كموسى الذي عرفه الرب وجها لوجه» (التثنية، 34: 1). هذه شهادة لم يكن من الممكن أن يدلي بها موسى نفسه أو شخص آخر أتى من بعده مباشرة، بل شخص عاش بعده بقرون عديدة، لا سيما أن المؤرخ قد استعمل صيغة الفعل الماضي: «ولم يقم من بعد نبي في إسرائيل.» ويقول عن القبر: «ولم يعرف أحد قبره إلى يومنا هذا» (التثنية، 34: 6). (3)
يجب أن نذكر أيضا أن بعض الأماكن لم تطلق عليها الأسماء التي عرفت بها في زمن موسى، بل أطلقت عليها أسماء عرفت بعده بوقت طويل؛ إذ يقال إن إبراهيم تابع أعداءه حتى دان (انظر: التكوين، 14: 14)،
صفحه نامشخص