استعدادا لقيادة الجنود، أمره على جيش أرسله في السنة الحادية عشرة من الهجرة لفتح فلسطين، وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما (وهما اللذان توليا الخلافة بعد وفاته عليه السلام) في هذا الجيش تحت إمرته، ولكنه اضطر إلى العود للمدينة المنورة لجملة أسباب؛ منها مرض مولاه عليه الصلاة والسلام، فدخل إليه وكان مريضا لا يتكلم، وقد ثقل عليه المرض، فجعل يرفع يده الشريفة إلى السماء ويضعها عليه للدعاء، حتى إذا قبضه الله إليه وعلمت الأعراب خبر انتقاله إلى دار البقاء نكصوا على أعقابهم مرتدين، وخلعوا حلية هذا الدين، فرأى أبو بكر رضي الله عنه أن أول واجب عليه هو الاهتمام بملاقاة هذه الثورة قبل أن يستفحل أمرها ويتفاقم شرها، فعمل بوصية رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وأبقى أسامة على رأس الجيش، وأمره بالزحف على الثائرين من أهل الردة، ولكن الأنصار قالوا لعمر: قل لأبي بكر أن يولي أمرنا أقدم سنا من أسامة. فلما أبلغه الرسالة أخذ أبو بكر بلحيته وقال: «ثكلتك أمك يا ابن الخطاب! استعمله رسول الله وتأمرني بعزله؟» ثم خرج أبو بكر حتى أتى الجنود وشخصهم وشيعهم وهو ماش وأسامة راكب، فقال له أسامة: «يا خليفة رسول الله، لتركبن أو لأنزلن.» فقال: «والله لا نزلت ولا ركبت،
27
وما علي أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله ...» وعند الرجوع قال لأسامة: «إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل.»
28
فأذن له، ثم أوصاهم فقال: «لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا
29
ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا وتحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له.» إلخ، وأوصى أسامة بما أمر به
صلى الله عليه وسلم .
30
صفحه نامشخص