في مبدأ الأمر موكولا إلى العاملين الأحرار، ولذلك انبثت روح الشهامة والرجولية في جميع سكان هذه المدينة الشهيرة في مبادئ تاريخها، على أن هذه الحالة لم تبق على ما هي عليه، بل زالت بالمرة لاتساع نطاق المدينة، وتطرق وجوه الزخرف والبهرجة إليها، فكثر عدد الرقيق، ثم ازدادت لما توسعت رومة في الفتوحات وغزو البلاد، فوضع البطارقة
19
والأغنياء أيديهم على العبيد واستعملوهم في حراثة أراضيهم، ولم تلبث الصنائع والفنون الميكانيكية أن وقعت أيضا في أيدي الرقيق.
وكانت وجوه الاسترقاق برومة متعددة، فإنه فضلا عن استرقاق الأمم المغلوبة بالحرب واستعبادها كان هناك صنف آخر، وهم العبيد بالولادة؛ أي الذين يولدون من الأرقاء. وصنف ثالث من الأحرار الذين قضت عليهم بعض نصوص القانون بالوقوع تحت نير العبودية،
20
ولا حاجة للقول بأن الحرب كانت من أعظم موارد الاسترقاق عند الرومانيين، ولذلك كان النخاسون يرافقون الجيوش عادة، وكثيرا ما كان يتفق بيع آلاف من الأسارى بأثمان بخسة، وذلك عقب فوز عظيم في وقعة مهمة، وكانوا يسرقون الأطفال ليبيعوهم، والنساء ليتخذوهن لقضاء الفاحشة وارتكاب الفجور.
وكان الرومانيون يعتبرون هذه التجارة مخلة بالشرف مسقطة للاعتبار، ولكنها كانت تجارة رابحة ناجحة، وكان الذين يتعاطونها يحصلون على أموال طائلة، وثروة وافرة؛ فمنهم النخاس تورانيوس الذي كان في أيام أغسطس متمتعا بشهرة فائقة وصيت بعيد.
وكانت العادة في رومة بيع الرقيق بالمزاد، فكانوا يوقفونهم على حجر مرتفع، بحيث يتيسر لكل واحد أن يراهم، ويمسهم بيده ولو لم يكن له رغبة في الشراء، وكانت العادة أن المشتري يطلب رؤية الأرقاء عراة تماما، لأن بائعي الرقيق كانوا يستعملون وجوها كثيرة من المكر لإخفاء عيوب الرقيق الجثمانية، كما يفعل اليوم الجمبازجية
21
في الخيول.
صفحه نامشخص