كان يتدرب على الجمل التي سيقولها من أجل أن يغادر، حين تنهدت هي نصف تنهيدة وتثاءبت كالأطفال وقالت: «توجد أسماك تزن سبعة أرطال في بركة كودي، التي لا بد أنها تجد الحياة مملة من دوني.» وكعادتها في عدم إثارة جلبة أو حديث، أخذت أشياءها ورحلت في عصر اليوم الربيعي.
نظر إليها السيد كولين باستحسان، وانتظر جرانت تعليقا. لكن بدا أن السيد كولين هو الآخر كان ينتظر مغادرة «الكونتيسة المنتقص من قدرها». راح يشاهدها من بعيد ثم قال في الحال: «سيد جرانت، لماذا سألتني إن كان لدي صورة فوتوغرافية لبيل؟ أيعني ذلك أنك تظن أنك تعرفه؟» «لا. لا. لكن من شأن هذا أن يستبعد الأشخاص الذين لا يمكن أن يكونوا بيل.» «أوه. أجل. حسنا، ليس لدي صورة معي في جيبي الآن، لكن لدي صورة في الفندق. ليست صورة جيدة جدا، لكن من شأنها أن تعطيك الفكرة العامة. أيمكنني أن أحضرها لك عما قريب؟» «لا. سأسير معك إلى مويمور.» «أحقا؟ بالتأكيد هذا لطف كبير منك يا سيد جرانت. أتظن أنك تعرف شيئا عن هذا الأمر؟ لم تخبرني بماهية تلك الكلمات. ذلك الاقتباس أو أيا كان. في الواقع ذلك ما أتيت أسألك عنه. أتساءل ما هو المغزى من أمر الوحوش المتكلمة. إن كان مكانا كان شغوفا به، فربما يكون قد ذهب إلى هناك، ويمكنني أن أذهب إلى هناك أيضا، وبتلك الطريقة يتقاطع دربي مع دربه.» «يهمك أمر بيل هذا كثيرا، أليس كذلك؟» «في الواقع، نحن معا منذ وقت طويل نوعا ما، وعلى الرغم من أننا مختلفان في معظم الأمور فإننا على وفاق حسن. حسن جدا. لا أحب أن يقع أي مكروه لبيل.»
غير جرانت مسار الحديث وسأل تاد كولين عن حياته. وبينما كانا يسيران على طول الوادي نحو مويمور أخبره عن المدينة الصغيرة النظيفة التي كانا يعيشان فيها في الولايات المتحدة، وأنها بدت مكانا مملا وكئيبا لشاب يمكنه الطيران، وأن الشرق بدا رائعا من بعيد، وغير ممتع عن قرب.
قال السيد كولين: «فقط شارع رئيسي مع وجود بعض الروائح.» «ماذا فعلت في باريس أثناء انتظارك الطويل لظهور بيل؟» «أوه، جبت بعض الأماكن وتصرفت بجموح. لم يكن الأمر ممتعا كثيرا من دون بيل. وقد قابلت شابين كنت أعرفهما في الهند، وذهبنا إلى بعض الأماكن معا، لكنني طوال الوقت كنت أنتظر بفارغ الصبر أن يأتي بيل. ثم انفصلت عنهما بعد قليل، وذهبت أبحث عن بعض الأماكن الواردة في المنشورات السياحية. بعض تلك الأماكن القديمة رائع فعلا. من بينها مكان مبني فوق الماء - أقصد قلعة - على أحجار مقوسة، بحيث يتدفق النهر من أسفل. كان ذلك رائعا. وكان سيلائم الكونتيسة كثيرا. أتلك هي نوعية الأماكن التي تعيش فيها؟»
قال جرانت وهو يفكر في الاختلاف بين شينونسو وكينتالين: «لا. تعيش في منزل مقيت مسطح كئيب ذي نوافذ صغيرة وغرف غير أنيقة ودرج ضيق وباب أمامي ضيق كمخرج أنبوب غسيل. وبه برجان صغيران على مستوى الطابق الرابع، بجوار سطح المنزل، وهذا التصميم في اسكتلندا يجعل منه قلعة.» «يبدو كسجن. لماذا تمكث فيه؟» «سجن! لن تأخذه أي لجنة من لجان السجون بعين الاعتبار ولو للحظة؛ إذ ستطرح في الحال أسئلة في المجلس عن افتقاره إلى الإضاءة والتدفئة والمرافق الصحية، وألوانه، وجماله، ومساحته، وما إلى ذلك. إنها تقيم في ذلك المكان لأنها تحبه. لكني أشك أن بإمكانها أن تقيم وقتا أطول من ذلك. فضرائب التركات كانت ثقيلة عليها جدا لدرجة أنها ستضطر إلى البيع.» «لكن هل سيشتريه أحد؟» «ليس بغرض السكنى. لكن أحد المضاربين سيشتريه، وسيقطع الأشجار . ربما يأتي الرصاص على سطحه بشيء من المال، وسيتحتم عليهم أن يزيلوا السطح على أي حال ليتجنبوا دفع ضرائب على المنزل.»
علق السيد كولين قائلا: «هاه! أمور مماثلة لفترة قصعة الغبار في الولايات المتحدة. ألا يتصادف أن هذا المنزل يحتوي على خندق مائي حوله؟» «لا. لماذا؟» «لا بد أن أرى خندقا مائيا قبل أن أعود إلى شركة أورينتال كوميرشال.» ثم قال بعد برهة من الصمت: «أنا قلق حقا على بيل يا سيد جرانت.» «أجل، الأمر غريب جدا بالتأكيد.»
قال السيد كولين فجأة ومن دون توقع: «كانت هذه لفتة طيبة منك.» «ماذا كانت؟» «إنك لم تقل: «لا تقلق، سيظهر وسيكون على ما يرام!» إنني بالكاد أتحكم في يدي مع الأشخاص الذين يقولون: «لا تقلق، سيظهر.» يمكنني أن أخنقهم.»
كان فندق مويمور نسخة مصغرة من منزل كينتالين، من دون الأبراج. لكن جدرانه كانت مطلية بالأبيض وباعثة على البهجة، وكانت الأشجار خلفها على وشك أن تورق. وفي ردهة الدخول الصغيرة المرصوفة تردد السيد كولين. «ألاحظ في بريطانيا أن الناس لا يطلبون منك أن تصعد معهم إلى غرفتهم. فهل قد ترغب في الانتظار في غرفة الجلوس؟» «أوه، لا، سأصعد. لا أظن أن لدينا أي شعور حيال غرف النوم في الفنادق. ربما الفكرة أن غرف الجلوس في فنادقنا قريبة جدا من غرف النوم فلا يوجد داع للصعود؛ لذا لا نقترح ذلك. وحين تكون غرفة الجلوس العامة على مسافة رحلة يوم من غرفتك، فأظن أن من الأسهل أن تصحب الضيف معك. بهذه الطريقة تكونان في نصف الكرة الأرضي نفسه على الأقل.»
كانت غرفة السيد كولين أمامية، وتطل على الطريق المؤدي إلى الحقول والنهر والتلال من خلفهم. ولاحظ جرانت بعين محترفة أن نار المدفأة كانت مشتعلة، كما لاحظ أزهار النرجس على النافذة؛ كان لفندق مويمور بعض المعايير، وكان ذهنه منشغلا بتاد كولين، الذي قطع إجازته وجاء إلى براري كاليدونيا من أجل أن يعثر على صديق كان يعني له الكثير. ومع كل خطوة كان يخطوها تجاه مويمور كان يتنامى بداخله نذير شؤم لم يستطع أن يتخلص منه، والآن أصبح نذير الشؤم ذلك يملأ نفسه لدرجة كادت تصيبه بالغثيان.
أخرج الشاب حقيبة خطابات من حقيبة سفره وفتحها على طاولة المزينة. كانت الحقيبة تحتوي على كل شيء تقريبا عدا وسائل كتابة الخطابات. وبين فوضى الأوراق والخرائط ومنشورات السفر وما إلى ذلك، كان يوجد شيئان مغلفان بغلاف من الجلد؛ سجل عناوين ودفتر جيب صغير. ومن دفتر الجيب أخرج الشاب بعض الصور وراح يقلب عبر الابتسامات الأنثوية حتى وجد ما كان يبحث عنه. «هاك هي. أخشى أنها ليست صورة جيدة جدا. إنها مجرد لقطة فوتوغرافية. أخذت هذه اللقطة حين كان هناك حشد منا على الشاطئ.»
صفحه نامشخص