ساد الصمت قليلا بينما التقت عينا جرانت بعيني قريبته. كانت تعرف أنه لا يستطيع ركوب الطائرات، وكانت تعرف السبب.
فقالت بنبرة ألطف: «تخل عن الفكرة يا ألان. ثمة أشياء تفعلها أفضل بكثير من أن تنقلب رأسا على عقب في منتصف مضيق منش في شهر مارس. إن كنت تريد الابتعاد عن كلون لبعض الوقت فلم لا تستأجر سيارة - يوجد مرأب جيد للغاية في بلدة سكون - وتذهب لاستكشاف البر الرئيسي لأسبوع أو نحو ذلك؟ والآن إذ صار الجو ألطف ستحل الخضرة في الغرب.» «ليس الأمر أنني أريد الابتعاد عن كلون. على العكس تماما. لو كنت أستطيع أن آخذ كلون كلها معي لفعلت. كل ما في الأمر أنني لا أستطيع التخلص من فكرة الرمال المغنية.»
رأى أن لورا بدأت تنظر إلى الفكرة من زاوية جديدة، وكان بإمكانه أن يرى جيدا جدا فيم تفكر. إن كان هذا هو ما يريده عقله المريض، فسيكون من الخطأ أن تحاول إثناءه. فاهتمامه بمكان لم يره من قبل لا بد أن يكون رد فعل مثاليا على تأمل مهووس متواصل نابع من وعي ذاتي. «أوه، في الواقع، أظن أن دليل برادشو هو ما تحتاجه. لدينا واحد، لكننا نستخدمه في الغالب عتبة للباب أو درجة للوصول إلى رف الكتب العلوي؛ لذا فهو متقادم قليلا.»
قال تومي: «فيما يخص خدمات النقل إلى الجزر الغربية الخارجية، لن يهمني تاريخه. فجداول مواعيد عبارات ماكبراين غير قابلة للتغيير شأنها في ذلك شأن شرائع الميديين والفرس. وكما قال أحدهم، هي لا تتخطى الأبدية بالضبط، لكنها تكاد أن تصمد أطول من الزمن.»
وهكذا وجد جرانت دليل برادشو وأخذه معه إلى الفراش.
وفي الصباح استعار حقيبة صغيرة من تومي، ووضع فيها الاحتياجات الحياتية الضرورية للغاية التي تكفي مدة أسبوع أو نحو ذلك. كان يحب دائما السفر بمتاع قليل، ودائما ما كان يسعده أن يخلو بنفسه بعيدا، حتى عن الأشخاص الذين كان يحبهم (وهي صفة كان لها دور كبير في بقائه أعزب)، وانتبه إلى نفسه فوجد أنه كان يصفر صفيرا خافتا وهو يضع بضعة أشياء في الحقيبة الصغيرة. لم يكن قد صفر فيما بينه وبين نفسه منذ امتدت عتمة الجنون وسلبته الإشراق والأمل.
كان على وشك أن يعود حرا طليقا بلا التزامات ولا قيود؛ حرا طليقا بلا التزامات ولا قيود. كانت تلك فكرة جميلة.
كانت لورا قد وعدته بأن توصله إلى بلدة سكون في الوقت المناسب للحاق بالقطار إلى أوبان، لكن جراهام كان قد تأخر في العودة بالسيارة من قرية مويمور؛ لذا لم تكن مسألة لحاقه بالقطار محسومة على الإطلاق. ونجحا في اللحاق بالقطار قبل ثلاثين ثانية فقط من تحركه، فدفعت له لورا وهي تلهث بحزمة أوراق من نافذة القطار المفتوحة بينما كان القطار يبدأ في التحرك، وقالت لاهثة: «استمتع يا عزيزي. فدوار البحر يصنع الأعاجيب بالكبد.»
جلس وحيدا في المقصورة، تغشته حالة ذهول مختلطة برضا، والمجلات مبعثرة إلى جواره على الكرسي. راح يشاهد منظر الطبيعة الجرداء الخالية وهي تمر أمام ناظريه ويزداد اخضرارها شيئا فشيئا وهم ماضون نحو الغرب. لم يكن لديه أدنى فكرة عن سبب ذهابه إلى كلادا. الأمر المؤكد أنه لم يكن ذاهبا لجمع المعلومات بالمعنى الشرطي للكلمة. كان ذاهبا من أجل العثور على راكب المقصورة «بي 7». كان ذلك هو أقرب تعبير يمكن صوغه بالكلمات. كان يريد الذهاب لرؤية هذا المكان الذي كاد أن يكون استنساخا للطبيعة الموصوفة في القصيدة. راح يتساءل، وهو منغمس في سعادة يخالطها النعاس، عما إن كان راكب المقصورة «بي 7» قد تحدث من قبل إلى أي شخص بشأن جنته هذه. تذكر خط اليد وقال في نفسه إنه لا يظن أنه قد فعل. فحروف
m
صفحه نامشخص