فأجاب: «انتظر حتى أجد ملاحظاتي. حسنا. اثنان وعشرون، عشرة على هيئة أوراق نقدية مختلطة؛ وثمانية عشرة وبنسان ونصف بنس من الفضة والنحاس.» «كلها إنجليزية؟» «أجل.» «بناء على عدم وجود جواز سفر والنقود الإنجليزية يبدو أنه كان في إنجلترا لفترة طويلة. أتساءل لماذا لم يأت أحد ليأخذ جثته.» «ربما لم يعرفوا بعد أنه مات. لم ينل الأمر الكثير من الضجة الإعلامية.» «ألم يكن له أي عنوان في بريطانيا؟» «لم يكن يحمل عنوانا. ولم تكن الخطابات في مظاريف: فقط كانت في محفظته فحسب. على الأرجح أن أصدقاءه سيظهرون فيما بعد.» «أيعرف أي أحد إلى أين كانت وجهته؟ أو لماذا؟» «لا، لا يبدو ذلك.» «ما الأمتعة التي كان يحملها؟» «حقيبة رحلات. قميص، وجورب، ومنامة وخف لغرفة النوم. ولا توجد أدلة على غسلها.» «ماذا؟ لماذا؟ هل كانت ثيابه جديدة؟» «لا، أوه، لا.» بدا ويليامز مستمتعا بشك جرانت المفرط. وأردف: «بل ارتداها كثيرا.» «هل اسم صانع الخف مدون عليه؟» «لا، إنه خف جلدي سميك مصنوع يدويا كالذي تجده في أسواق شمال أفريقيا ومواني البحر المتوسط.» «ماذا غير ذلك؟» «في الحقيبة؟ العهد الجديد باللغة الفرنسية، ورواية ذات غلاف ورقي أصفر، وهي باللغة الفرنسية أيضا. وكلاهما ليس جديدا.»
قال موظف مكتب البريد: «لقد انتهت دقائقك الثلاث.»
حظي جرانت بثلاث دقائق أخرى، لكنه لم يحقق أي تقدم نحو الوقوف على توضيح بشأن راكب المقصورة «بي 7». وفيما عدا حقيقة أنه لم يكن له أي سجل جنائي لا في فرنسا (حيث كانت واقعة الطعن مجرد حادثة عنف منزلي) ولا في بريطانيا، لم يكن معروفا عنه أي شيء. كان نمطيا بالفعل أن الأمر الإيجابي الوحيد حياله لا بد أن يكون أمرا قائما على النفي.
قال ويليامز: «بالمناسبة، حين كنت أكتب نسيت تماما أن أجيبك على التذييل الذي أوردته في خطابك.»
فسأله جرانت: «أي تذييل؟» ثم تذكر أنه كان قد كتب فكرة لاحقة نصها ما يأتي: «إن لم يكن لديك شيء أفضل لتفعله فيمكنك أن تسأل رجال فرع الأمن القومي إن كان لديهم أي اهتمام على الإطلاق برجل يدعى أرشيبالد براون. إنه وطني اسكتلندي. اسأل عن تيد هانا وأخبره أنني من يسأل.» «أوه، أجل، بالطبع. بشأن ذلك الوطني. هل كان لديك وقت لتفعل أي شيء حيال الأمر؟ لم يكن بالأمر المهم.» «في الواقع، بالصدفة، قابلت المرجع الذي أشرت إليه على متن حافلة متجهة إلى وايت هول، يوم أول أمس. يقول إنه ليس لديه شيء ضد عصفورك، لكنهم يرغبون كثيرا في معرفة هوية الغربان. هل تعرف عم كان يتحدث؟»
قال جرانت مندهشا: «أظنني أعرف. سأبذل قصارى جهدي لأكتشف حقيقتهم. أخبره أنني سأفعل ذلك كجزء من واجبي أثناء الإجازة.» «رجاء، اصرف ذهنك عن العمل، وتعاف بما يكفي لأن تعود إلى هنا قبل أن ينهار المكان في غيابك.» «الحذاء الذي كان يرتديه: أين صنع؟» «من الذي كان يرتديه؟ أوه. أجل. في كراتشي.» «أين؟» «كراتشي.» «أجل، هذا ما ظننت أنك قلته. يبدو أنه كان يتجول. ولا يوجد اسم على صفحة غلاف العهد الجديد؟» «لا أظن ذلك. لا أظن أنني دونت أي ملاحظات عن ذلك حين قرأت الأدلة. انتظر لحظة. أوه، أجل، لقد فعلت. لا يوجد اسم.» «ولا يوجد أحد في قسم «المفقودين» يشبهه؟» «لا. لا أحد. ولا أحد حتى يقترب منه في الشبه. إنه ليس «مفقودا» من أي مكان.» «حسنا، كان رائعا منك أن تتكبد كل هذا العناء من أجلي بدلا من أن تخبرني أن أصطاد في غديري وألا أتدخل فيما لا يعنيني. يوما ما سأفعل لأجلك مثلما فعلت لأجلي.» «هل الأسماك الموجودة في غديرك تعض؟» «لا يوجد أي غدير، والأسماك تختبئ خوفا في أعمق تجاويف البحيرات المتبقية. ذلك هو السبب الذي يجبرني على الاهتمام بقضايا لا تستحق لمحة اهتمام حقيقي في أماكن مزدحمة مثل المناطق الجنوبية الغربية.»
لكنه كان يعلم أن الأمر لم يكن على هذا النحو. لم يكن الملل هو ما دفعه إلى هذا الاهتمام براكب المقصورة «بي 7». كاد أن يقول «هذا الائتلاف». كان يشعر بشعور غريب من التماثل مع راكب المقصورة «بي 7». ليس بمعنى وجود وحدة بينهما، وإنما بمعنى أن بينهما تماثلا في الاهتمامات. وفي ضوء حقيقة أنه لم يره إلا مرة واحدة ولم يكن يعرف أي شيء عنه، فإن هذا كان أمرا غير معقول للغاية. هل كان تفسير ذلك أنه ربما كان يظن أن راكب المقصورة «بي 7» كان هو الآخر يصارع شياطينه؟ هل بدأ الشعور بالاهتمام الشخصي، أو المناصرة، بهذا الشكل؟
كان قد افترض أن فردوس راكب المقصورة «بي 7» هو غياهب النسيان. كان قد افترض ذلك بسبب جو المقصورة الذي كان مفعما برائحة الويسكي. لكن الشاب في نهاية المطاف لم يكن ثملا للغاية. بالفعل لم يكن في حالة سكر شديد. إنما كان مخمورا قليلا. وسقوطه للخلف وارتطامه بكتلة الحوض المستديرة الصلبة من الأمور التي يمكن أن تحدث لأي أحد. لذا فإن فردوسه المحروس بطريقة غريبة جدا لم يكن في نهاية المطاف هو غياهب النسيان .
ثم استعاد انتباهه لما كان يقوله ويليامز. «ما الأمر؟» «نسيت أن أخبرك أن مضيف عربة النوم يعتقد أن مارتن تلقى زيارة من شخص ما في يوستن.» «ولم تذكر هذا إلا في النهاية؟» «في الواقع، أظن أنه لم يكن ذا نفع كبير على أي حال؛ أعني ذلك المضيف. بدا أنه كان يتعامل مع الأمر برمته على أنه إهانة شخصية له، هكذا قال الرقيب الذي كان هناك.»
بدا أن يوجورت العجوز كان يتصرف حسبما هو متوقع منه. «ماذا قال؟» «قال إنه حين كان يسير في الممر، في يوستن، كان مع مارتن شخص آخر في المقصورة. رجل آخر. ولم ير الرجل لأن مارتن كان يقف في مواجهته، وكان باب المقصورة مواربا؛ لذا فإن كل ما لاحظه هو أن مارتن كان يتحدث مع رجل آخر. كانا يبدوان سعيدين وودودين. وكانا يتحدثان عن سرقة فندق.» «ماذا!» «أترى ما أرمي إليه؟ لقد قال قاضي التحقيق «ماذا!» هو الآخر. قال مضيف عربة النوم إنهما كانا يتحدثان عن «سرقة كالي»؛ وحيث إنه ليس بمقدور أحد أن يسرق فريقا لكرة القدم، فلا بد أنهما كانا يقصدان فندقا. يبدو أن كل الفنادق في اسكتلندا التي لا تسمى ويفرلي تدعى كاليدونيان. والاسم الدارج لها هو «كالي». وقال إنهما لم يكونا جادين في ذلك.» «وذلك هو كل ما رآه وعرفه عن المودع؟» «أجل، ذلك كل شيء.» «ربما لم يكن مودعا على الإطلاق. ربما كان صديقا صادفه على القطار. أو رأى اسمه في قائمة عربات النوم، أو لاحظه أثناء مروره.» «أجل، غير أنك ستتوقع أن يظهر هذا الصديق مرة أخرى في الصباح.» «ليس بالضرورة. خاصة إذا كان في نهاية القطار. كما أن رفع الجثة جرى بتكتم شديد بحيث أشك أن أيا من الركاب علم بموت أحد على متن القطار. وكانت المحطة خالية من الركاب قبل وصول سيارة الإسعاف بوقت طويل. أعرف هذا لأن جلبة وصول سيارة الإسعاف كانت تحدث حين كدت أنتهي من تناول إفطاري.» «أجل. قال مضيف عربة النوم إنه اعتبر أن من المسلم به أن الرجل الآخر كان مودعا لأنه كان واقفا مرتديا قبعة ومعطفا. ويقول إنه في معظم الأحيان حين يذهب الناس لتناول القهوة على متن القطار فإنهم يخلعون قبعاتهم. يقول إن أول شيء يفعلونه هو إلقاء قبعتهم على حمالة. أقصد حين يصلون إلى مقصوراتهم.» «بمناسبة الحديث عن الأسماء في قائمة عربات النوم، كيف حجزت مقصورة النوم؟» «بالهاتف، لكنه أخذ التذكرة بنفسه. أو على الأقل، أخذها رجل نحيل داكن البشرة. وحجزت قبل أسبوع من موعد القطار.» «حسنا. أكمل بشأن يوجورت.» «بشأن من؟» «بشأن مضيف عربة النوم.» «أوه، حسنا. قال إنه حين كان يسير على متن القطار يجمع التذاكر، قبل بلوغ يوستن بعشرين دقيقة، كان مارتن قد ذهب إلى المرحاض، لكن تذكرة مقصورة النوم وقسيمة الذهاب من تذكرته إلى سكون كانتا جاهزتين على الرف الصغير تحت المرآة. فأخذهما ووضع عليهما علامة في سجله، وبينما كان يمر بالمرحاض طرق على الباب وقال: «هل أنت الذي في المقصورة «بي 7» يا سيدي؟» فرد مارتن بالإيجاب. فقال المضيف: «لقد أخذت تذكرتيك، شكرا لك يا سيدي. هل سترغب في تناول الشاي صباحا؟» فقال مارتن: «لا، شكرا لك، طابت ليلتك.»» «إذن كانت معه تذكرة عودة.» «أجل. كانت تذكرة العودة في محفظته.» «حسنا، كل شيء واضح بما فيه الكفاية، على ما يبدو. فحتى عدم وجود شخص يسأل عنه أو يطالب بجثته قد يكون لأنه انطلق في رحلة ولم يتوقع الناس أن يسمعوا أخبارا عنه.» «وإلى جانب ذلك عدم الإعلان عن الأمر. لا أظن أن أهله حتى كلفوا أنفسهم عناء وضع إعلان عنه في صحيفة إنجليزية؛ فقد يعلنون عن الأمر محليا فقط حيث كان يعرفه الناس.» «ماذا قال تقرير تشريح ما بعد الوفاة؟» «أوه، المعتاد. تناول وجبة خفيفة قبل ما يقرب من ساعة من موته، وتوجد كمية كبيرة من الويسكي في معدته وكمية لا بأس بها في دمه. وهو ما يكفي لجعله ثملا.» «ألا توجد إشارة إلى أنه أسرف في الشراب؟» «أوه، لا. لا توجد أي مشكلة من أي نوع. كانت إصابات الرأس والكتف قد وقعت له في وقت أسبق، لكنه بخلاف ذلك كان يتمتع بصحة جيدة. ناهيك عن كونه صلب العود.» «إذن فقد حدثت له إصابات أسبق؟» «أجل، لكن قبل وقت طويل. أقصد، ليست ذات صلة بهذه المسألة. في وقت ما كان قد أصيب بشرخ في الجمجمة وكسر في الترقوة. هل سيكون سوء سلوك أو فضولا من جانبي أن أسألك عن سبب كل هذا الاهتمام بحادثة بسيطة؟» «أقسم أيها الرقيب، لو كنت أعلم لأخبرتك. أظن أنه لا بد أنني أصبحت أتصرف تصرفات صبيانية.»
صفحه نامشخص