هل أخذها فحسب؟ ربما وجدها في مطعم كان يتناول طعامه فيه قبل ركوب القطار. فعادة ما تتناثر على كراسي غرف تناول الطعام في محطة القطار الأوراق المهملة التي تخص أولئك الذين كانوا يتناولون طعامهم هناك. أو حتى في بيته، أو في مسكنه، أو أيا كان المكان الذي كان يعيش فيه. ربما يكون قد تحصل على الصحيفة بعدة طرق عرضية.
أو بالطبع ربما كان فرنسيا يتلقى تعليمه في إنجلترا، وبهذا حلت الكتابة الدائرية المشوشة محل موروثه من الكتابة المتصلة المنمقة. لم يكن هناك شيء يتعارض جوهريا مع كون راكب المقصورة «بي 7» مؤلف تلك الكلمات المكتوبة بقلم رصاص.
ومع ذلك، كان الأمر غريبا.
وفي حالات الوفاة المفاجئة، مهما كانت طبيعية، تكون الأمور الغريبة ذات أهمية. حين التقى أول مرة براكب المقصورة «بي 7» كان منفصلا للغاية عن ذاته المهنية، وبمعزل عن العالم ككل، حتى إنه تعامل مع الأمر كما سيتعامل معه أي مدني آخر مثقل بالنوم. حينئذ لم يكن راكب المقصورة «بي 7» يمثل له سوى راكب شاب ميت في مقصورة مشبعة برائحة الويسكي، كان مضيف عربات نوم نافد الصبر للغاية يعامله بخشونة. والآن صار شيئا مختلفا تماما؛ صار «موضوع تحقيق». صار شأنا مهنيا؛ شأنا تحكمه القواعد والنظم، شأنا يتعين المضي فيه بحذر، وباللياقة المطلوبة ووفقا للقواعد المقررة. وخطر ببال جرانت للمرة الأولى أنه إذا ما التزم بعين الصواب، فقد يعتبر استلابه لهذه الصحيفة تصرفا مخالفا قليلا للقواعد. لقد كان استلابا غير مقصود بالمرة؛ اختلاسا عرضيا. لكنه كان أيضا تبديدا للأدلة، إن اعتمد المرء المنهج التحليلي حيال الأمر.
وفيما كان جرانت يتفكر في المسألة، عادت لورا من المطبخ وقالت: «ألان، أريد منك أن تفعل شيئا لأجلي.»
وأخذت سلة خياطتها ووضعتها على كرسي بجواره. «سأفعل أي شيء في مقدوري.» «بات متردد في أمر ما عليه فعله، وأريد منك أن تقنعه به. أنت بطله وسيستمع إليك.» «لعل الأمر متعلق بتقديم باقة من الزهور؟» «كيف عرفت؟ هل تحدث معك في الأمر بالفعل؟» «بل أتى على ذكره فحسب هذا الصباح عند البحيرة.» «لم تنحز إلى جانبه، أفعلت؟» «بوجودك في خلفية المشهد! لا. بل أعربت عن رأيي قائلا إنه شرف عظيم.» «وهل اقتنع؟» «لا. يظن أن الأمر برمته «هراء».» «إنه كذلك فعلا. فالقاعة تستخدم بصفة غير رسمية منذ أسابيع. لكن سكان الوادي أنفقوا الكثير من المال والجهد في إقامة تلك القاعة، ومن الصواب أن تفتتح بطريقة «لافتة».» «لكن أيتحتم أن يكون بات هو من يقدم باقة الزهور؟» «أجل. إن لم يفعل، فسيفعلها ويلي ابن آل ماكفادين.» «لورا، لقد صدمتني.» «ما كنت لأصدمك لو أنك رأيت ويلي ابن آل ماكفادين. إنه يبدو كضفدع مصاب بداء الفيل. وجوربه دائما ما يكون ساقطا. ينبغي أن تؤدي فتاة صغيرة ذلك، لكن لا يوجد في الوادي طفلة في سن مناسبة . لذا فالأمر ما بين بات وويلي ابن آل ماكفادين. وإذا نحينا جانبا أن مظهر بات ألطف، فمن الصواب أن يتولى شخص من الوادي ذلك. ولا تقل لي «لماذا؟» ولا تقل لي إنني أصدمك. عليك فقط أن تفعل ما بوسعك لتقنع بات بالأمر.»
قال جرانت وهو يبتسم لها: «سأحاول. من الفيكونتيسة التي سيقدم إليها باقة الزهور؟» «الليدي كينتالين.» «الأرملة النبيلة؟» «تقصد الأرملة. لا يوجد إلا واحدة، حتى الآن. وولدها لم يصل بعد إلى سن تسمح له بأن يتزوج.» «كيف وصلت إليها؟» «كانت زميلتي في المدرسة. في مدرسة سانت لويزا.» «أوه، ابتزاز. تسلط نابع من ذكرى أيام مضت.»
قالت لورا: «لا تسلط على الإطلاق. كانت مسرورة بقدومها والاضطلاع بهذا العبء. إنها شخصية محبوبة.» «أفضل طريقة لإقناع بات بأن يشارك في الأمر هي بجعلها تبدو جذابة في عينيه.» «إنها جذابة للغاية.» «لا أقصد الأمر على ذلك النحو. ما أقصده هو أن تجعليها بارعة في شيء يعجب به.»
قالت لورا بنبرة مترددة: «إنها خبيرة في صيد السمك بالطعوم الصناعية، لكنني لا أعرف إن كان بات سيجد ذلك مثيرا للإعجاب. إنه يظن أن أي شخص لا يستطيع صيد السمك هو شخص غير طبيعي.» «لا أظن أنك تستطيعين إسباغ ميول ثورية عليها.»
فقالت لورا وقد التمعت عيناها: «ثورية! تلك فكرة جيدة. ثورية. لقد كانت فيما مضى يسارية بعض الشيء. وكانت تقول إنها تفعل ذلك «لمضايقة مايلز وجورجيانا». إنهما والداها. ولم تأخذ هذا الأمر بجدية كبيرة مطلقا؛ فقد كانت جميلة للغاية ولم تحتج إلى أي شيء كهذا. لكن يمكنني أن أبني شيئا على ذلك الأساس. أجل. يمكننا أن نجعل منها ثورية.»
صفحه نامشخص