أسعد هذا الصنيع جرانت كثيرا، وبينما كان يتناول عشاءه راح يتنقل بأفكاره بالتناوب بين الاقتصاد، من حيث رءوس الأموال، وكذلك الحدود السعرية، والطعم الذي بداخل الخطاب. لقد تخطت هذه الفراشة الاصطناعية في أصالتها حتى تلك الفراشة المدهشة التي كان قد استعارها في كلون. قرر أن يستخدمها ذات يوم في نهر سيفرن حين «يأخذون» قربة ماء ساخن من المطاط الأحمر، بحيث يمكنه أن يكتب لبات بصدق ويخبره أن فراشة آل رانكن تمكنت من اصطياد سمكة كبيرة.
جعله التعصب الاسكتلندي التقليدي في جملة «تلك الأنهار الإنجليزية» يأمل ألا تطيل لورا في انتظارها وتسارع بإرسال بات إلى مدرسته الإنجليزية. إذ كان انتماؤه إلى اسكتلندا مفرطا للغاية، وينبغي تخفيفه. باعتباره أحد مكونات شخصيته، كان مثيرا للإعجاب، ومع أنه كان نقيا فقد كان منفرا كالنشادر.
ثبت جرانت الفراشة الاصطناعية فوق التقويم على مكتبه، حتى يتسنى له استكمال التأمل في شموليتها ويسعد بتفاني قريبه الصغير، وارتدى مسرورا منامته وفوقها روبا. كان يوجد على الأقل عزاء وحيد في كونه الآن في المدينة وليس في الريف، وهو أن بإمكانه ارتداء روبه ووضع قدميه على رف المدفأة وهو متأكد ومتيقن من أنه لن يتلقى اتصالا هاتفيا من سكوتلانديارد ليزعجه في وقت فراغه وراحته.
لكنه لم يكن قد مضى عليه أكثر من عشرين دقيقة على هذه الحال حين جاءه اتصال من سكوتلانديارد.
كان كاترايت هو المتصل.
أتاه صوت كاترايت يقول: «هل فهمتك على نحو صحيح حين قلت إنك راهنت على الفطنة؟» «أجل. لماذا؟»
فقال كاترايت: «لا أعرف أي شيء عن الأمر، لكنني أظن أن جوادك قد ربح.» ثم أضاف بنبرة عذبة رقيقة جدا مثل مذيعة في الراديو: «طاب مساؤك يا سيدي»، ثم أغلق الهاتف.
فقال جرانت: «مهلا!» وراح يهزهز زر الهاتف. «مهلا!»
لكن كاترايت قد أنهى المكالمة. ولن يكون من المجدي محاولة معاودة الاتصال به ثانية الليلة. كانت هذه الممازحة اللطيفة هي رد كاترايت؛ كانت ثمن قيامه بمهمتين دون مقابل.
عاد جرانت إلى كتاب رانيون الذي كان يقرؤه، لكنه لم يعد يستطيع أن يركز انتباهه على تلك الشخصية القانونية الصارمة، شخصية القاضي هنري جي بليك. سحقا لكاترايت ولمزحاته الصغيرة! سيتعين الآن عليه أن يذهب باكرا إلى سكوتلانديارد.
صفحه نامشخص