جحظت عيناه الشريطيتان في اندهاش أشبه بالذعر ثم أطلق ساقيه للريح. ••• «بوذا» معبود الناس هنا يتربع على تمثال من البرونز ومن فوق رأسه ثعبان، والثعبان في البوذية يرمز إلى الحماية والماء (أي الخير). «الإله شيفا» معبود الهنود لا يؤمن به هنا إلا القليل (7٪ فقط من السكان)، يتربع هو الآخر على تمثال حجري على شكل عضو الذكر الضخم، تحوطه النساء العقيمات هندوكيات وبوذيات؛ فالمرأة البوذية العقيم تؤمن بأي إله قادر على إخصابها، ولا يهمها أن يكون «بوذا» أو «شيفا» أو حتى الإله الطفل «جانيش» ذو رأس الفيل.
ويهز الكاهن البوذي رأسه قائلا: نعم، الرأس لا يهم في عملية الإخصاب.
وجوه النساء العاقرات شاحبة رمادية بلون القماش الدمور، العيون مسحوبة إلى أعلى نحو الإله، والأيادي المشققة مرفوعة مفتوحة تلهب بكلمات لا أفهمها.
وحملق الكاهن في وجهي بعينين ضيقتين وقال: أي إله؟ ليس عندنا إله كالهندوكيين. «بوذا» ليس إلها، إنه إنسان مقدس ووصاياه مقدسة لكنه لم يقل عن نفسه أنه إله. •••
اليوم الأحد، يوم السوق في بانجوك، الدكاكين الصغيرة كآلاف العلب المربعة على جانبي الطريق، آلاف السياح الأجانب يتزاحمون على شراء الحرير التايلاندي، أجود حرير وأرخص حرير، الأيدي العاملة في مصانع الحرير لا تزال رخيصة، آلاف الفتيات الفقيرات يقفن أمام الآلات ست عشرة ساعة في اليوم (من 6 صباحا إلى 10 مساء) وأجر الفتاة في اليوم دولاران ونصف، وفي الشهر خمسة وسبعون دولارا، وفي السنة تسعمائة دولار.
ما تحصل عليه فتاة المصنع يساوي ما تحصل عليه فتاة الليل في الأسبوع أو نصف الأسبوع وأحيانا في الليلة الواحدة.
لكن فتاة الليل هنا لا تسمى فتاة ليل، وبيوت البغاء هنا لا تسمى بيوت بغاء.
يسمونها بيوت «التدليك»، وهي بيوت محترمة لا تقل احتراما عن معاهد العلاج الطبيعي وعيادات الأطباء، بل إنها أكثر أهمية من كل هذه المعاهد أو العيادات، وأكثر منها عددا.
ولا شيء في بانجوك يساوي بيوت الدعارة في الأهمية والعدد إلا بيوت العبادة، وإلى جوار كل معبد لا بد وأن تقرأ تلك اللافتة المكتوبة بالخط العريض: بيت التدليك.
وتتنافس بيوت التدليك على جذب السياح الأجانب إليها، وتشجعها الدولة؛ فهي تسعى إلى إنعاش الثروة القومية بالعملات الصعبة، وهذا واجب وطني. وهز الخبير الاقتصادي رأسه: نعم، الفضيلة أيضا تعيش هناك.
صفحه نامشخص