رحلاتي في العالم

نوال السعداوي d. 1442 AH
148

رحلاتي في العالم

رحلاتي في العالم

ژانرها

السلم الآلي يقترب ببطء من باب الطائرة، أمد قدمي وأهبط إلى الأرض بخطوات سريعة، مطار بانجوك فسيح حديث، يشبه أي مطار في أوروبا أو أمريكا، سيارة بيضاء عليها لافتة الأمم المتحدة تنتظر زوجي، سائق تايلاندي قصير مربع الجسم عيناه شريطان رفيعان كعيون الصينيين، يفتح لنا باب السيارة بانحناءة ظهر وانكسارة قلب.

هذه الانحناءة رأيتها منتشرة في البلاد الآسيوية، ما إن تقترب من رجل أو امرأة حتى ينثني الظهر بتلك الحركة المنكسرة. هل عانت البلاد الآسيوية من قهر أشد مما عانته البلاد الأخرى في أفريقيا أو أمريكا الجنوبية أو المنطقة العربية؟ حتى في جزيرة زنجبار - مهد العبودية والعبيد - لم أر الظهور تنحني بهذا الشكل، بل العكس، رأيت ظهر الرجل الأفريقي الأسود مشدودا ممدودا إلى أعلى، ورأسه أيضا شامخ إلى أعلى وإن كان أنفه أفطس، والمرأة الأفريقية أيضا رأيتها فارعة القامة مفرودة الظهر، ممدودة الرأس إلى أعلى.

ألمح وجه السائق من الجانب، ملامحه تنفرني من بانجوك قبل أن أراها منكسرة كظهره، وانكسارة الجفون فوق العيون الضيقة الشريطية، عيناه زجاجيتان شاخصتان إلى الأمام، ومن حين إلى حين تختلسان نظرة من خلال المرآة الصغيرة إلينا ونحن جالسون على الأريكة الخلفية.

شفتاه المطبقتان انفرجتا فجأة وقال بالإنجليزي بلهجة أمريكية : بانجوك أصبحت قطعة من أمريكا، وعندنا خبراء أمريكيون في كل مكان.

وأشار بأصبعه خارج نافذة السيارة نحو طائرات ضخمة راقدة على أرض المطار من بعيد: طائرات حربية أمريكية عظيمة!

وهز رأسه بزهو متسائلا: أنتما من أمريكا؟

وقلت: لا.

وتدلت شفته السفلى فوق ذقنه بحركة تنم عن خيبة الظن، لكنه رفعها بسرعة وأطبقها على الشفة العليا ثم تساءل بصوت خرج من فتحتي أنفه: ومن أين أنتما؟

ورد زوجي: نحن من مصر.

وهنا تحول نصف وجهه الأسفل إلى شفتين ممطوطتين وانشغل فجأة بشيء أهم من وجودنا، ثم تساءل دون أن ينظر إلينا من خلال المرآة: هل عندكم أمريكيون كثيرون مثلنا؟

صفحه نامشخص