الطير يشيع وجودهما في أواسط آسية نوع كبير ونوع صغير ، وهذه كانت من النوع الصغير. لكنني لم أر هذه الطيور من قبل تجتمع بمثل هذه الأسراب الجسيمة ، أو في حالة الهجرة كما كان يظهر مما رأيت (1).
وقد قررت العمل على تلافي الوقت الضائع إن أمكن ، ونظرا لما قيل لي من عدم وجود ما يدعو إلى القلق في الطريق ما بين موقعنا هنا وبغداد فقد حصلت على دليلين راجلين من الأعراب وتحركنا في الواحدة والنصف بعد منتصف الليل ، وتمادينا في السرى حتى وصلنا إلى المدينة العظيمة. فكان طريقنا كله في اراض مستوية ، ومررنا بعدة قرى قبل طلوع الصبح الذي بزغت علينا خيوطه الأولى ونحن نشاهد منائر بغداد وقبابها ترتفع في الأفق البعيد. ويبدو أن سهل بغداد على طول امتداده ينطوي على منتهى الخصب ، لكنه يتطلب در الماء إليه ليكون منتجا حقا. فقد جعله نظام الري البديع ، الذي لا تزال آثاره الكثيرة باقية حتى اليوم ، حقولا يانعة وبساتين غناء. أما الآن ففيما عدا التفاح المر الذي يغري العين بصبغته البرتغالية الغنية والنباتات المنتجة للصودا (2) التي لا تصلح إلا علفا للجمال ، فلا تستبين العين فيه شيئا ناميا مطلقا. ومع أننا سرنا سيرا مسرعا ، فقد مرت علينا فترة متعبة قبل أن ترتفع أسوار المدينة أمام أنظارنا وبارتفاعها تجدد استبداد القلق والريبة بنا ، لأننا علمنا أن قبيلة من الأعراب المعادين قد نصبت خيامها على مقربة من المدينة وأن جيوش الباشا كانت مرابطة تجاه العدو وأن عدة مناوشات قد حصلت من قبل ، وأن جماعات من الأعراب صارت تملأ البلاد وتقوم بالسلب والنهب ، بحيث لم يكن من الأكيد مطلقا أن يسمح لنا بالوصول إلى الأسوار من دون مضايقة وإزعاج برغم وقوعها على مثل هذه المسافة القصيرة عنا.
ومع أن هذه الحالة هي على درجة من الاعتياد في هذه الجهات بحيث لا
صفحه ۷۱