رحله در اندیشه زکی نجیب محمود
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
ژانرها
يمكن أن نقول إن زكي نجيب محمود قدم الكثير لمجال العقل، ابتداء من محاولاته لتحديد «مفهوم العقل» نفسه - كما سبق أن أشرنا - مبينا مجالات استخدامه، إلى محاولته إشاعة النظرة العقلية على نحو ما حددها في النقاط الخمس السابقة. لكن هناك جانبا بالغ الأهمية هو استخدامه للفاعلية العقلية أو النشاط العقلي، تحديد وتحليل كثير من المفاهيم الشائعة وإلقاء الضوء عليها، وهي مهمة شاقة في مجتمع اعتاد أن يرسل القول على عواهنه، ويستخدم الفكرة الغامضة لمجرد أنها موجودة، أو لأنها تثير وجدانه؛ مع أن الحياة الفكرية بمعنى من أدق معانيها هي تحديد الفواصل بين المعاني المتداخلة، أو المتشابهة: ولك أن تحكم على أمة بدرجتها في مدارج الحياة الفكرية بمقدار ما استطاع أبناؤها تحديد المعاني التي يتداولونها ...
45
وهذا هو الدور الذي تقوم به: «الفاعلية الفلسفية» فمما توصف به الفاعلية الفلسفية، أحيانا أنها محاولة لتوضيح المفاهيم التي تقع عند الناس بين الجهل التام والعلم التام، يعني أنها مفاهيم يتداولها الناس وهم على بعض العلم بها، فلا هم يجهلونها كل الجهل، ولا هم يعلمونها كل العلم، فتتناولها الفلسفة بالتحليل والتوضيح لعلها تبلغ من معانيها مبلغ التحديد الدقيق الحاسم، فهذه المفاهيم التي تقع عند الناس وسطا بين الغموض والوضوح، هي أشبه بمدينة تراها على مبعدة فترى بروزا ممتدا في الأفق.
46
وهكذا قل في كثير جدا من المفاهيم والأفكار التي نتداولها في مجرى حياتنا الفكرية، بل في مجرى حياتنا العملية، والتي نشعر أن الحياة، فكرية أو عملية متعذرة بدونها، ومع ذلك فعلمنا بها لا يكاد يتعدد علمنا بأن الأفق البعيد مدينة كبيرة، وها هنا يكون عمل الفلسفة أن تدنو بنا من تلك المفاهيم لنراها في تفصيلاتها ودقائقها. والعجيب أن يتهمك الناس نتيجة لهذا التحليل بأنك تعقد البسيط وتصعب السهل، حين جاءهم الفيلسوف بتحليل يفكك لهم أوصال المفاهيم التي يتداولونها، فثاروا في وجهه كأنهم كانوا يجدون النعمة في الفهم المبهم، ويخشون أن يفسد تحليل الفلاسفة عليهم ما كانوا به ينعمون!
47
كانت طريقته أن يمسك بعدسة مكبرة تكشف للقارئ عناصر الفكرة التي هي مدار الحديث، فذلك وحده كفيل أن يزيل ضباب الغموض الذي يكتنف المفاهيم المحورية التي عليها تدور ثقافتنا.
48
فالتوضيح معناه تحليل المفهوم الغامض لاستخراج العناصر الداخلة في تكوينه لكي نفهمه، تماما مثل أي عملية كيميائية، فلكي تفهم الماء أو الهواء، أو قطعة الفحم، أو ما شئت، فهما علميا عليك بتحليلها في المعامل، وكذلك التحليل العقلي للأفكار الغامضة، عليك أن تحللها تحليلا عقليا، لكي تكشف عناصرها ومكوناتها التي دخلت في تكوينها.
49
صفحه نامشخص