رحله در اندیشه زکی نجیب محمود
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
ژانرها
وعلينا أن ننتبه جيدا إلى أمثال هذه العبارات الهامة، التي تدل أولا على أنه كان يعاني من مشكلة الثنائية بين مجالي العلم والوجدان، وأنه كان يعتقد أن الخلط بينهما، بله الخلط بين المعاني والأفكار والمفاهيم مرض يسود ثقافتنا، وأنه وصل إلى الوضعية المنطقية بوصفها حلا منطقيا لما تعانيه هذه الثقافة من اضطراب ومشكلات، لا سيما في تفرقة هذه الفلسفة الأساسية بين هذين المجالين الرئيسين من مجالات القول؛ ولهذا فإننا كثيرا ما نجده يعبر عنها كما لو كان يعرفها من قبل! فهذا الموقف الفلسفي الجديد الذي عثر عليه في لحظة نادرة من ربيع 1946م، كان على حد تعبيره: «كأنما هو ثوب فصل على طبيعة تفكيري، تفصيلا جعل الرداء على قد المرتدي، بل إني شعرت في اللحظة نفسها بأنه إذا كانت الثقافة العربية بحاجة إلى ضوابط تصلح لها طريق السير، فتلك الضوابط تكمن ها هنا ...»
4
ونحن نستشف من هذه العبارات أنه كان يعاني بالفعل مشكلات ثقافية ، هي تلك الثنائيات التي سوف نتحدث عنها بعد قليل، وأن فكره كان يتجه في مجرى معين قبل أن يتعرف على الوضعية المنطقية، فلما عرفها شعر أنها جاءت ملائمة تماما لمجرى هذا التفكير!
ثنائية العقل والوجدان سمة أساسية في حضارة الشرق، وهي كذلك عند مفكرنا؛ ولهذا كان زكي نجيب محمود في أعماقه، وفي حياته، وفكره، كأنما هو التجسيد الحي «للشرق الفنان» الذي يجمع بين النظرة الذاتية المباشرة إلى الوجود، التي تجعله خطرة من خطرات النفس أو نبضة من نبضات القلب ... وهي نظرة الروحاني المتصوف والشاعر والفنان ... وبين نظرة العالم الذي يقيم بينه وبين الكائنات حاجزا من قوانينه ونظرياته.
5
لكن هذا الشق الثاني غير موجود الآن، وتلك هي مشكلة الشرق «الأوسط»، وتلك هي مشكلة الثنائية في الثقافة العربية التي عاناها مفكرنا منذ مطلع نضجه العقلي، ولم يستطع أن يوفق بينها فكيف يجتمع العقل والوجدان في تصور نظري عام ...؟! ثم جاءت الوضعية المنطقية لتعطيه تفرقة بين مجالين كان يستشعرهما بداخله، فكأنما أعطته الإطار النظري الذي كان يبحث عنه، وإن كانت استفادته من هذا المذهب لم تتعد الخطوط العريضة التي تعينه على حل مشكلاته، ومشكلات أمته الفكرية، من حيث هو «منهج»، دون أن يتقيد بحرفيته كمذهب أو يورط نفسه في مضمون فكري بعينه: «فكنت كمن يضع في يده ميزانا يزن به الأشياء، دون أن يملأ يديه بمادة معينة، لا بد أن تكون هي وحدها موضع الوزن والتقدير ...»
6
وعلى ذلك فإن النظرة الثنائية التي لخصها في كتابه «الشرق الفنان» عام 1960م، ووصفها بأنها بمثابة حجر الزاوية في بناء فكري جديد، ظهرت معالمها الكبرى خلال السبعينيات في تجديد الفكر العربي و«المعقول واللامعقول في تراثا الفكري» وثقافتنا في مواجهة العصر.
7
أقول لم تكن هذه النظرة «جديدة» إلا في وضوح معالمها، وتحديد خطوطها الرئيسية، على نحو محدود متميز، ولهذا فقد كان على حق تماما في قوله: إن هذا البناء الفكري الجديد جاء ليكمل، لا لينقض، ما أنجزه خلال الخمسينيات من تحديد لمنهج التفكير العلمي.»
صفحه نامشخص