رحله در اندیشه زکی نجیب محمود
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
ژانرها
أما الأصل الثاني للإسلام فهو «تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض؛ فقد اتفق أهل الملة الإسلامية على أنه إذا تعارض العقل والنقل أخذ بما دل عليه العقل، وبقي في النقل طريقان: طريق التسليم بصحة المنقول مع الاعتراف بالعجز عن فهمه وتفويض الأمر إلى الله في علمه. والطريق الثاني تأويل النقل مع المحافظة على قوانين اللغة حتى يتفق معناه مع ما أثبته العقل ...»
35
وعلى المسرح ظهر من العمالقة قاسم أمين (1865-1908م)، بدعوته إلى تحرير النصف المستعبد من الأمة؛ أعني المستعبد مرتين: فهو أولا مستعبد من الرجل ثم هو والرجل مستعبدان للمستعمر! كما ظهر مصطفى كامل (1874-1908م) بزعامته السياسية التي اتجهت نحو تحرير البلاد من المستعمر، وأحمد لطفي السيد (1872-1963م) وإصراره على أن تقيد الحكومة سلطانها، بحيث لا تسيطر إلا على ما تدعو الضرورة إلى سيطرتها عليه، وهي ثلاثة: الجيش، والشرطة، والقضاء، وفيما عدا ذلك من المرافق والمنافع، فالولاية للأفراد والمجاميع الحرة! وكان من أبرز مبادئ الحركة اللبرالية التي قادها لطفي السيد مبدأ: أن تكون السيادة للقانون لا للأشخاص، وأن يحكم الحاكم بإرادة الشعب لصالح الجمهور كله، لا لصالح طبقة معينة أو فرد بذاته، ثم مبدأ أن تكون مصر للمصريين، ولكنه هذه المرة أوسع معنى مما كان عليه في شعار الثورة العرابية: لأن معناه هذه المرة أن تستقل مصر عن الأتراك مع استقلالها عن الإنجليز، وكان من مبادئه أيضا أن حرية الوطن لا تتحقق إلا إذا تحققت حرية المواطن، على أن حرية المواطن لا تتحقق إلا في ظل حرية سياسية، يكون معناها أن يشترك كل فرد في حكومة بلاده إشراكا تاما كاملا، وهذا هو معنى نسميه سلطة الأمة! وهنا نلحظ الوثبة الهائلة التي انتقلنا بها من المعنى الضيق للحرية السياسية كما فهمها الطهطاوي، إلى معناها كما حدده لطفي السيد، هذا كله فضلا عما سعى إليه لطفي السيد من تطوير التعليم، الذي أراد له أن يكون تنمية للحرية الفكرية بعد أن كان منحصرا في إعداد الموظفين للحكومة، وكذلك أيد لطفي السيد دعوة قاسم أمين في حرية المرأة، لكنه هنا أيضا قفز بالمعنى المقصود عاليا، فبعد أن كانت حرية المرأة عند قاسم أمين تعني أن تكشف المرأة عن وجهها برفع الحجاب، أصبحت عند لطفي السيد تعني حق المرأة في التعليم حقا مساويا لحق الرجل فيه، وتمخضت هذه الإرهاصات الفكرية عن ثورة 1919م التي انتقلنا بها درجة أعلى!
36
المستوى الثالث
على الرغم من أن زكي نجيب محمود ولد في المرحلة السابقة 1905م، فإن تكوينه العقلي أولا، ثم إنتاجه الفكري بعد ذلك، كان ولا يزال، داخل هذا المستوى الثالث؛ فهو في مرحلة التكوين في عشرينيات القرن وثلاثينياته، يقبل إقبالا شديدا على متابعة الحياة الثقافية، متابعة كادت ألا تترك كتابا أو مقالا مما كان يكتبه أعلام الحرية الفكرية والأدبية في مصر لا سيما في الفكرتين الرئيسيتين «فكرة الحرية» من ناحية، و«فكرة العقل» من ناحية أخرى.
37
ولقد كانت حياتنا الثقافية في هذين العقدين نشطة، فيذكر أحمد أمين مثلا في كتابه «حياتي»، أنه كانت هناك مدارس الأصدقاء من ذوي الثقافة الإنجليزية، يكثر فيها الحديث عن شكسبير وديكز، وماكولي، وشو، وه. ج. يلز ... إلخ، وجمعية أخرى من أصدقاء من ذوي الثقافة الفرنسية، يكثر فيها ذكر جان جاك روسو، فولتير راسين، وموليير، ودوركايم ... إلخ، ثم التقت الجمعيتان في تحرير جريدة أسبوعية اسمها «السفور»، تدافع عن آراء قاسم أمين في تحرير المرأة وتدعو إليها.
38
غير أن هذه المرحلة تشهد أبعادا جديدة لفكرتي «الحرية» و«العقل»، لم تطرأ للسابقين على خاطر، فها هو عباس العقاد (1889-1964م)، يدعو إلى تحرير الشعر والفن بصفة عامة، وينتهي إلى نظريته الشهيرة التي تذهب إلى «أن الجمال والحرية وجهان لحقيقة واحدة»، في الوقت نفسه فكرة التحرير تشمل الموسيقى، فها هو سيد درويش (1893-1923م) يعمل على تحرير الموسيقى من صيغتها القديمة التي كانت تستهدف الطرب، لتصبح تصويرا أو تعبيرا لما يتردد في صدور الناس بكل فئاتهم. وهذا طلعت حرب (1867-1942م) يدعو للتحرير الاقتصادي بإنشائه لبنك مصر وشركاته، وهنا علي عبد الرزاق يحرر مفهوم الحكومة الإسلامي من تقليد الخلافة، ويصدر كتابه الشهير «الإسلام وأصول الحكم» عام 1952م، يعلن في آخر فقراته أن «الدين الإسلامي بريء من كل ما هيئوا حولها من رغبة ورهبة ومن عزة وقوة، إن هذه الخطط السياسية لا شأن للدين بها، وإنما تركها لنا لنرجع فيها إلى أحكام العقل، وتجارب الأمم وقواعد السياسة.»
صفحه نامشخص