رحله در اندیشه زکی نجیب محمود
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
ژانرها
وقد تكون الكلمة الجميلة مفتاحا يفتح الأبواب المغلقة، ويفتح الطريق إلى مناصب الدولة، ويفتح الخزائن بالرزق، وقد يكفي لصد الرجل عن قضاء حاجته ألا يكون موهوبا بالنطق الجميل، يقول عمر بن عبد العزيز: «إن الرجل ليكلمني في الحاجة يستوجبها، فيلحن فأرده عنها، وكأني أقضم حب الرمان الحامض، لبغضي استماع اللحن، ويكلمني آخر في الحاجة لا يستوجبها فيعرب، فأجيبه إليها التذاذا لما أسمع من كلامه» ... وهكذا كان موقف العربي على إطلاقه.
71
والواقع أن تحليل مفكرنا لظاهرة اللغة في ثقافتنا رائع عميق، لا سيما عندما ينبهنا إلى أن المشكلة الكبرى في اللغة، لا تنحصر في كونها قطعت صلتها بالواقع، وكونت عالما قائما بذاته، بل إنها أصبحت في نظر العرب بديلا عن الواقع، بحيث يكفي أن نتحدث عن الشيء، ولكن نعتقد أنه قد تحقق وهنا يكون الاهتمام منصبا على الصياغة اللفظية وجمال وقعها، لا على ما تؤديه من دور في العالم الفعلي، فالصيغ اللغوية أنما تفعل فعلها كله، ما دامت حسنة التركيب جميلة الجرس، ولا على صاحبها، ولا على قارئها بعد ذلك أن يهتدي بها في تجارة أو صناعة أو سفر أو قتال!
72
فإذا أراد العربي تحولا إلى عصرنا فإن عليه أن ينتقل من حضارة اللفظ إلى حضارة الأداء. وإذا كان قابيل قتل أخاه هابيل، ففسر ذلك بأنه يرمز إلى أن الزارع قتل الراعي، وأن مرحلة من مراحل الحضارة، وهي مرحلة الزراعة، قد أعقبت مرحلة أكثر منها بدائية هي مرحلة الرعي، فإننا في حاجة اليوم إلى من يقتل قابيل؛ أي المرحلة الزراعية حتى يخلي المكان لمرحلة ثالثة هي مرحلة الصناعة الآلية، الصناعة التي لا تحتاج من الإنسان إلى عضلات، بل إلى آلات، ولو تحقق ذلك انتقل الإنسان من فكر إلى فكر، ومن حياة إلى حياة، أعني، مرة أخرى، أن ننتقل من ثقافة الكلمة إلى ثقافة التشكيل التي تغير بها درجة الأرض.
73
ويلح مفكرنا على أن التحول المطلوب هو الانتقال إلى «المعاصرة»، التي هي «العلم والصناعة»، وهو لا يتشكك لحظة واحدة في أن هذا هو طريق التحول من تخلف إلى عصرية، وهو أن ننتقل من «معرفة» قوامها الكلام إلى «معرفة» قوامها «الآلة التي تصنع»؛
74
ولهذا فلا بد أن تضيف ثقافتنا العربية المعاصرة إلى الجانب الجميل من اللغة العربية، لغة أخرى شائهة قبيحة ينفر منها النظر والسمع، فيسير الإنسان إلى مجاوزتها إلى دنيا الواقع الكائنة على أرض الحوادث.
75
صفحه نامشخص